الصدمة الكبرى!!

nagah hegazy
nagah hegazy

الصدمة الكبرى!!
صدمتي فيه كانت كبيرة، كان يأخذ من نفسى مكانة جليلة، فحرصت على أن أتابع أخباره، وأن أقرأ له كل ما ينشره فى الصحف والمجلات، تصوَّرته إنسانا بدرجة ملاك، خاصة أن الشعر الأبيض الذى يعلو فروة رأسه أعطاه درجة من الوقار، وكتاباته تفيض رحمة وحنانا وشفقة على الإنسان، فتطلعت إلى أن أكون من زمرة أصدقائه، وما أكثرهم، فاتصلت به وعرَّفته بنفسي، فحدد لى ولبعض الأصدقاء موعدا لزيارته بمكتبه، ومن هنا كانت معرفتي به أو معرفتنا به.
تجلس إليه فيسحرك بحديثه، ويدهشك بسعة اطلاعه، ويذهب بك فى حديثه كل مذهب، وتجد فى حديثه أيضا البراءة كل البراءة وكأنه طفل يتكلم فيتلعثم فى كلامه، وتسمع منه فلا تمل إطلاقا من حديثه؛ وحدثنا عن علاقته بمشاهير كتاب العصر القريب، فأخبرنا عن ميزة هذا وعيب ذاك.
تحرص على زيارته مرات عدة، ويستقبلك بكل ترحاب، وتشفق عليه نظرا لبعض الأمراض التى داهمته فى تلك السن، وتستمد منه القوة والأمل فيما هو قادم.
لكن عندما عرفنا حقيقته، كانت الصدمة فيه كبيرة، كيف لم نكتشف فيه هذه الرذائل؟ كيف خدعنا طوال هذه الفترة الطويلة؟ كيف مثَّل علينا دور الملهم وهو الفاسق؟ كيف تصورناه صاحب مبدأ وهو على استعداد أن يبيع أباه، بل نفسه، لأقرب مشترٍ؟ هل صحيح أن مراية الحب أعمى؟ نعم هذا مثل فى محله، لقد تصورناه ملاكا وهو شيطان، لقد تصورناه إنسانا وهو لا يرتقى إلى مرتبة البهيمة، لقد تصورناه مفكرا وهو جاهل يجهل أبسط المعلومات.
كانت زيارتنا إليه متقطعة، وكانت قصيرة، فأقصاها ساعة أو يزيد قليلا، لكنها ليست بالمدة الكافية لأن نحكم عليه بأنه شخص صالح أو طالح، لم نحتك به فى أى عمل من الأعمال لنراه على حقيقته، وهذا أهم درس تعلمناه فى الحياة، لا تحكم على شخص ما لم تخالطه أو تعاشره، وهو درس رغم كونه فى منتهى البساطة لكنه كان عميقا لنا فى الوقت نفسه، فتخيلنا أن القراءة وحدها تمكننا من الحكم على الناس، فإن كتب عن الفضيلة تصورناه فاضلا، وإن كتب عن الرذيلة وشرورها تصورناه مصلحا، وهكذا.
لم أكن أتوقع أن يكون بهذا السوء والنذالة وهذه الخسة والقذارة، وإلى الآن مازلت مصدوما فيه، فأول شىء أحزنني فيه أن أراه مولعا بالنساء، لقد كان زير نساء، لا يهدأ له بال حتى يوقع بفريسته، فيستغل مكانته الرفيعة ليصطاد فتاة تهوى الأدب والشعر والفكر، ولا يتركها إلا محطمة بائسة، يدمرها نفسيا، يسرقها ماديا، لقد حكى لى من أثق به ثقة عمياء، أنه إذا وقع على فتاة ميسورة الحال، سرقها، بعد أن يفعل فعلته التى يحرمها الإله ويجرمها، نعم يسرق حليها ومالها وكل ما تقع يداه عليه، إنه يذكرني بما كان يفعله “عبد الرازق ” من رجال ريا وسكينة، فبعد أن يأخذ بغيته من ضحيته يسرقها علنا، ألا يكفى ما فعله بها؟! ألا يكفيه أنه ارتكب جرما كبيرا، ليضيف إليه جرما آخر وهو السرقة. ولهذا كنت أحتقر عبدالرازق هذا؛ إذ كان يعيش عالة على النساء، ويتخذ من الزنا مهنة له.
أيكون أديبنا من هذا النوع، من الذين يعيشون عالة على النساء؟! حقا كنت أراه ناعما فوق اللازم مع النساء، ولكنى حسبت ذلك أدبا ولطفا واحتراما منه للنساء. وحدثني واحد من الأصدقاء أنه قد دمر فتاة تنتمى إلى أسرة ثرية جدا، بعد أن استدرجها بذوقه وظرفه وحسن حديثه ومكانته العالية، ولم تر الفتاة القاهرة التاريخية، الأزهر والحسين والموسكى وشارع المعز.. وهى التى قضت أغلب عمرها متنقلة بين دول العالم، فأوهمها أن بإمكانها الذهاب إلى هذه الأماكن بصحبته. ومع تعدد الزيارات راح معها إلى شقتها، وبعد أن قضى وطره منها سرق كل ما معها، وتركها مهيضة الجناح، وجعلها تدمن الحشيش وتشرب المنكر، إلى أن يئست من الحياة.
أما الصفة الثانية التى عرفتها عنه، أو قل الثالثة؛ إذ هو مولع بالنساء مولع بسرقتهن، فهو إدمانه الحشيش، وروى لى الأصدقاء أن أغلب دخله ينفقه على تعاطى الحشيش، فهو حشاش من الدرجة الأولى، ولقد لاحظت ذلك عليه؛ إذ كان يتلعثم فى الكلام عند حديثه إلينا، متوترا دائما، وكان لا ينظر إلينا بل إلى شيء آخر فى الحجرة، حتى إنني توهمت أنه يتعاطى مواد مخدرة، لكن بررت هذا بأنه من عوامل السهر وشرب القهوة والسجائر التى لا تنقطع، وقلت فى نفسى: لا تهتم بهذا، فمن الوارد أنه خلق هكذا، فبعض الناس لا يتحدثون بشكل طبيعي.
أما الصفة الرابعة فهى التضحية بالآخرين من أجل مصلحته، يؤذى الآخرين لكى يصل إلى ما يطمح إليه، يكتب التقارير فى زملائه، يحذف العناوين وبعض الكلمات التى قد تحمل معنى الكرامة ليرضى رؤساءه، فيظهر أمامهم وكأنه المدافع عن سياسة الجريدة، وأنه لا يمكنهم الاستغناء عنه، فمن الذى يخاف على الجريدة مثله؟! وهو ما يجعله يشوه الموضوع إذ قد يحذف فقرات منه، ما يهبط من معنويات زملائه. وإذا سطع نجم زميل له أحس منه خطرا على مكانه، فيحاربه ويشوه سمعته ويتهمه بأبشع التهم، فليذهب الزميل إلى الجحيم أما أنا فلأتمتع بالنعيم.
إراقة ماء وجهه ومخالفة مبادئه هما الصفتان الخامسة والسادسة، فهو يسعى جاهدا لأن ينشر فى أغلب الصحف والمجلات؛ ليس لنشر إبداعه، بل لكسب مزيد من الأموال، وفى هذا إهانة للنفس، فأحيانا يتوسل لهذا ويستعطف ذاك، كما أن هذا يجعله يعارض مبدأه الذى يؤمن به، فسياسة هذه الجريدة تختلف عن تلك، وهو إن كتب فى جريدة ما يعرِّضه ذلك لمخالفة قيمه ومبادئه، وهذا لا يهم معه كثيرا، كفى شعارات فهي لا تسمن ولا تغنى من جوع.
وأخيرا وليس آخرا، فإن كتاباته سطحية، وذلك راجع إلى أنه لا يجد الوقت الكافي للقراءة، فهو يذهب إلى عمله صباحا، ويجلس إلى المقهى ظهرا، وبصحبة الأصدقاء مساء، إلى أن يعود إلى بيته في الثانية صباحا، هكذا هو برنامجه اليومي المعتاد، فمتى يقرأ؟ والكاتب الحقيقي زاده القراءة والتحصيل، وكلما أسرف الكاتب فى القراءة ظهر إنتاجه فى صورة دسمة وممتعة وشائقة، وتتلهف على قراءة كل ما يخطه قلمه. فالموهبة وحدها لا تكفى لثقل الكاتب، بل لا بد من تنميتها، فالليث ما هو إلا عبارة عن عدة خراف مهضومة، والكاتب ما هو إلا عبارة عن عدة كتب قرأها حسب تعبير الشاعر الفرنسي بول فاليري.

بقلم حسين السيد

Share This Article
2 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!