رحلة تربوية فاصلة قوامها التوحيد والتجريد
لما كانت العبادات تنقسم إلى ثلاثة أقسام ؛ بدنية محضة كالصلاة والصوم، ومالية محضة كالزكاة والصدقة، ومزيج منهما كالحج . فإن الحج يعد من أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد. فالحج المبرور أى المقبول هو الذى لم يخالطه إثم ووفيت أحكامه وأركانه ، الحج الذى فيه منافع كثيرة أكثر من أن نستوعبها فى قول الحق جل علاه ( ليشهدوا منافع لهم ) ، آية فيها التعللية والتعبدية الخالصة فمن منافع الحج التوحيد على طاعة الله وأعمال الحج ومناسكه والتجريد من متع الحياة الزائفة وفى ذلك كله قرب من الله عزوجل ففى الحج تذكير بأحوال الآخرة والموت لذا يحاول الحجيج إخراج أنفسهم من المظالم التى سبق لهم أن وقعوا فيها لضعف نفوسهم وغلبة شهواتهم .
وفى طليعة ما يأمل العبد ويتطلع إليه فى هذه الرحلة أى فى حجه من المنافع تطهير قلبه وتزكية نفسه وتمحيص ذنوبه . فالقلوب كثيرا ما تنطوى على أدواء مهلكة علاجها الحج فهو تربية سلوكية بما يكون فيه من إخلاص وتضحية وتفانى فى سبيل الوصول إلى غرض أسمى وهو الإقبال على الله وتجرد الإنسان من نعيمه ومتعته وانسلاخه من مميزاته تائبا مستغفرا نادما على ما فرط منه مهاجرا إلى ربه وقد نبذ الدنيا ظهريا .
فما أجمل أن يتذكر الإنسان دعوى الخير وما أجمل أن يعتبر من هذه التذكرات فيصلح يومه وغده وحاله ومآله. فالحج إذن رحلة تربوية بكل ما تحمله الكلمة من معان عميقة، رحلة فاصلة بين الهدى والضلال ، بداية عهد وميثاق جديد مع رب غنى حميد نشهد له جميعا بالتوحيد . فنردد على ألسنتنا مع الحجاج هدير التلبية الذى يملأ الصدور وتعلو به الألسنة ويحمل المسلم على الصعب والذلول فى سبيل عقيدة التوحيد، هدير يرفع المسلم إلى القمة فتسمو روحه وهمته لأن رضا ربه أمنيته ومبتغاه كى يهيىء له مواسم الخير ومواطن الرحمة آملا أن يعود هديره بالمغفرة والعطاء. نسأل الله أن يتقبل من المسلمين حجهم ويعيد عليهم وعلينا هذه المواسم الإسلامية مواسم العبادة فى خير وسلام، كما نسأله الشفاء من العلل وفقدان الهمم والعزائم والاستهداء بالإيمان والاستعلاء على متاع الدنيا تحت راية الإسلام الله آمين يارب العالمين.
وعلى الله التكلان …،
بقلم أ.د/ على عبد المنعم حسين
أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغة العربية المساعد
بكلية التربية جامعة الزقازيق
