عندما يتحقق الحلم
بقلم .عبده مرقص عبد الملاك سلامة
عندما يتحقق الحلم
بت أنا و أفراد أسرتى تراودنا الأحلام و تدغدغ حواسنا و تلعب بمشاعرنا ،فعلى ما يقرب من ثلاثة شهور لم تفارقنا أحلامنا و نستبشر خيراً ،حتى إننى أهب من نومى فى الهزيع الأخير من الليل و أنا أصفق كطفل أهديت له لعبة كان ينشدها ،أو حلوى تاق إليها ،و يتجمع حولى كل أفراد الأسرة مهللين فرحين و كل منهم يبشرنى أنه لن تشرق شمس ذلك الصباح إلا و تحقق المراد ،و عندما تشرق الشمس بدون ملامح أو إشارة لما راودنا من أحلام ، و لكن آمالنا و توقعاتنا شطت بنا بعيداً فقد أصابنا فيروس أحلام اليقظة و سيطر علينا كما سيطر على ما يقرب من٦٠٠ ألف معلم من الزملاء المتقاعدين و شمل أسرهم ،حتى توارد الخواطر بيننا رغم عدم سابق معرفتنا ببعض ،فإنك تجد مكالمة هاتفية لا تعرف صاحبها الذى سرعان ما يبادرك بتقديم نفسه و يبدأ فى رواية همومه و مشاكله بعد المعاش و كأنك واقف أمام مرآة تحادث نفسك،فالهموم جعلتنا نسخة مكررة لشخص واحد و لعلى لست أبالغ إذا قلت إنه من السهل جداً أن تتعرف على المعلم المتقاعد من بين مئات المارة فى الشارع ،ثم تطرق الحديث عن معاش النقابة فقد مرت ثلاثة أشهر عجاف و الناس دائمو السؤال ،سواء على الميديا أو صفحات التواصل الإجتماعى،،و نظراً لأننى أدرك جيداً أننا بعد التقاعد أصبنا بأمراض الشيخوخة و ما يصاحبها من ضغط و سكر و الإكتئاب و غيرها من الأمراض،فإننى حرصت على أن يكون ردى عليه – أو على أى زميل _ مبشراً و فى نفس الوقت لا يسمن و لا يغنى من جوع …..و إذا بشهر إبريل يأتى ليمارس كذبته السوداء على قلوب مزقها الصبر
و تكشفت الأمور بعد تلك المدة عن تراجع النقابة عن سداد المعاش ، و تم اعتبار معاش الثلاثة أشهر كذبة أبريل ، تخيل معاش ثلاثة أشهر ،الكفيل بتغيير حركة عقارب الساعة و تحقيق أحلام داعبت الخيال و سلبت المنام ، نعم ٣٤٠ جنيهاً ،ذلك المبلغ قد يكون هيناً بالنسبة للبعض و لكنه يمثل نقلة حضارية و إقتصادية و إجتماعية لأصحابه.
و مرت الأيام و مازالت ذكرى الشهور العجاف كامنة ،تاركة ندبات عميقة فى النفوس.
و ذات يوم فضفضت زوجتى معى فى حديث هامس،توحدت فيه مشاعرنا و تطلعاتنا ،فهى عضو بالنقابة مثلى ،و استجمعت كل شجاعتها كأنى بها ستفجر قنبلة قائلة “: صراحة الأولاد أنفسهم فى تناول وجبة لحم بلدى من تلك التى كنت تشتريها .”
فقلت لها :” و من سمعك ،و الله إنه لمطلب مشروع ،يقره القانون و يتقبله المنطق ،فوالديهما كانا من ( كبارات التربية و التعليم ) و لا أخفيك سراً أننى أتوق لذلك أيضاً ،حمداً لله ، أسعار اللحمة معقولة ،حتى لو كان ٢٨٠ جنيها بالرغم إنه يصفى على ٧٠٠ جرام ، و تذكرت تلك القصة التى قرأتها – مع الفارق _ فقد كان بطلها مقتدر مادياً و لكنه بخيل ،فشكت زوجته لأخوتها من ذلك وأنها لم تذق سوى العدس و لم تعرف اللحم منذ زواجها ،فأقترح عليها أخوتها أن تعطيه منوماً قبل قدومهم إليها ،و قاموا بتجريده من ثيابه و ألبسوه لبس مثل الكفن و هم ارتدوا أقنعة و أجنحة و بدؤوا فى ضربه بالسياط و أوهموه أنه مات و أنه فى جهنم و هذا العذاب خاص بالعدس وحرمانه زوجته من اللحوم و الفاكهة ، و لما استرد وعيه حرص على أن لا يدخل العدس منزله مرة أخرى، و لولا تذكرى هذه القصة لمازحتها بأننى سأصطحب أبنائي لرؤية اللحم عند الجزار و لكنى خشيت طبيعة المرأة
مرت ثلاثة شهور أخرى و توالت الأخبار بظهور البشائر و تحقيق الأحلام و خرجت من منزلى مثقل الخطى ،بين مهابة و رجاء و شك و يقين ،و لا أدرى كم مر من الزمن حتى وجدت نفسى أمام ( آلة الصرف ) فقرأت كل ما أحفظه عن الحسد فى كل الكتب السماوية ،ووضعت ( الفيزا ) فى مكانها و إذا بها تصبح مثل ماكينة فؤاد المهندس فى فيلم عائلة زيزى ،أعنى استجابت و تكرمت على بمبلغ ٣٠٠ جنيهاً و كذلك ( فيزة ) زوجتى وظللت أنظر حولى متوجساً ،و توجهت مباشرة لصديقى الجزار الذى طالما أكرمنى و كان ( يقطع ) لى طيب اللحم و اشتريت منه ٢ كيلو و عدت لمنزلى عودة القائد المظفر العائد من معركة انتصر فيها و هللت الأسرة لقدومى و حام حولى أفرادها
لاستطلاع الأمر و كم كانت فرحتهم عندما رأوا اللحم ،
و لكن عقيلتى أبدت ملاحظة أن لون اللحم هذه المرة مختلف فداعبتها بأنها نسيت لون اللحم حيث أنها لم ترها منذ أمد بعيد ، فضحكت و شمرت عن ساعديها لتباشر مهمة طال انتظارها و خرجت و شعور الرضا يغازلنى و انعكس هذا على نفسيتى ولاحظ ذلك كل من قابلته من أصدقائى ،
و لكم كانت دهشتى عندما سمعت خبراً جعل الأرض تميد بى و كدت (أتكوم ) مغشياً علي فى عرض الشارع فقد ترامى إلى مسامعى خبر القبض على صديقى الجزار لأنه يذبح الحمير و يبيع لحومها ،
صرخت بأعلى صوتى و إذا بجمع يحاول أن يعيدنى لصوابى
و لما أفقت وجدتنى فى سريرى أبكى مثل طفل وحولى زوجتى و أبنائى و فى يدى ( الفيزاتان )
حمدت الله ،أنه كان كابوساً و آليت أن لا أحاول صرف المعاش فى هذا اليوم ،فقد كان فأله سيئا ً
عندما يتحقق الحلم
اترك تعليقاً