استقالات متتالية عقب إسقاط قضية الفساد ضد عمدة نيويورك
شهدت وزارة العدل الأميركية يوم الخميس موجة من الاستقالات بين المدعين العامين والمسؤولين القضائيين، بما في ذلك المدعية العامة في مانهاتن، وذلك إثر القرار المفاجئ بإسقاط القضية المتعلقة بالفساد ضد عمدة مدينة نيويورك إريك آدامز، وفقًا لما أوردته صحيفة “نيويورك تايمز”.
تُمثل هذه الاستقالات تصعيدًا ملحوظًا للاعتراض داخل وزارة العدل، في ظل تقديم شكوك حول تأثير الرئيس الأميركي دونالد ترمب على سير العدالة. وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الأمر يمثل رفضًا واضحًا لمحاولات الإدارة في الضغط على المدعين لإسقاط التهم ضد آدامز.
وكانت التحقيقات الفيدرالية قد تناولت ما إذا كان آدامز قد مارس ضغوطًا على إدارة الإطفاء من أجل الموافقة على إنشاء قنصلية تركية جديدة في مانهاتن مقابل تبرعات غير قانونية، رغم المخاوف الأمنية المرتبطة بذلك.
سلطت “نيويورك تايمز” الضوء على أن خطاب المدعي بوف كشف النقاب عن صراعات داخلية حادة بين مسؤولين في وزارة العدل في واشنطن ومدعين في مانهاتن. وقد تم انتخاب آدامز عمدة لمدينة نيويورك في عام 2021، حيث حقق فوزًا ساحقًا بترشيح الحزب الديمقراطي.
في خطابه، انتقد بوف سلوك أحد أعضاء فريقه بسبب تدوين الملاحظات أثناء اجتماع، وأكد أهمية اتباع الأوامر العليا، مشيرًا إلى أن هناك خططًا لتقديم لائحة اتهام جديدة ضد العمدة تشمل تهمة التآمر لعرقلة العدالة.
تجدر الإشارة إلى أن الاستقالات قد تُشير إلى احتمالية تعرض بوف للمسؤولية عن هذه القضية، حيث قد يولي القاضي المشرف على القضية مزيدًا من الاهتمام لتصرفات مسؤولي الوزارة في واشنطن.
وفي تصريح له، نفى ترمب أي تدخل في القضية، لكن بوف عبر في خطابه عن قلقه من تأثير الرئيس على وزارة العدل، مشيرًا إلى أن الالتزام بالدستور يتطلب مقاومة الأوامر التي تتناقض مع مسار العدالة.
في سياق متصل، كان بوف قد مثل ترمب سابقًا في قضايا قانونية، مما يزيد من تعقيد الأوضاع والفجوة بين الآراء داخل الوزارة.
المنطقة الجنوبية من نيويورك، التي قادتها دانييل ساسون حتى يوم الخميس، تُعتبر واحدة من أبرز مكاتب المدعين العامين في الولايات المتحدة، حيث تتمتع بسمعة قوية في الحفاظ على استقلاليتها وصد محاولات التدخل من واشنطن، مما منحها لقب “المنطقة السيادية”، بحسب ما أفادت به الصحيفة.
قدمت المدعية العامة في مانهاتن، دانييل ساسون، استقالتها، إلى جانب مسؤولي قسم النزاهة العامة في الوزارة وكبار المحامين العاملين في القسم ذاته. وذكرت الصحيفة أن ساسون اختارت الاستقالة بدلًا من الامتثال لقرار إسقاط القضية ضد العمدة، ومن ثم استقال كيفن دريسكول وجون كيلر، اللذان كانا يديران قسم النزاهة العامة، بعد أن تم نقل القضية إلى القسم من قبل مسؤولي الوزارة. وبذلك، استقال أيضًا ثلاثة محامين آخرين في القسم في وقت لاحق من اليوم نفسه، كما أفاد مصادر مطلعة.
جاءت استقالات المدعية العامة في نيويورك ومسؤولي قسم النزاهة العامة بشكل متسارع يوم الخميس، بعد توجيه القائم بأعمال نائب وزير العدل إميل بوف، الذي يعمل كمحامي لترمب، بإسقاط القضية ضد آدامز.
مبررات سياسية
اعتبرت الصحيفة أن مبررات الوزارة لإسقاط القضية كانت “سياسية بشكل صريح”، مشيرة إلى أن بوف أشار إلى أن التحقيق كان “يعوق قدرة آدامز على التعاون بشكل كامل مع حملة ترمب لمواجهة الهجرة غير الشرعية”.
وفي رسالة ساسون إلى المدعية العامة الأميركية بام بوندي، أوضحت أن أمر بوف بإسقاط القضية “يتعارض مع واجبي في مقاضاة الجرائم الفيدرالية دون خوف أو محاباة، وتقديم الحجج بحُسن نية أمام المحاكم”.
كما ألقت ساسون باللوم على آدامز، مشيرة إلى أن محاميه “حثوا مرارًا على ما يشبه المقايضة”، حيث ذكروا أنه سيكون بمقدوره مساعدة وزارة العدل في تحقيق أولوياتها التنفيذية فقط إذا تم إسقاط لائحة الاتهام بحقه.
من جانبه، نفت محامي آدامز، أليكس سبيرو، هذه الادعاءات، مؤكدًا أن “فكرة وجود عملية مقايضة هي كذبة تامة”، مضيفًا: “لم نقدم أي شيء ولم تطلب الوزارة منا أي شيء.” وأوضح أن السؤال المعني كان عن تأثير القضية على الأمن القومي وإنفاذ قوانين الهجرة، وقد أُجيب بصراحة بأنها تمثل بالفعل تأثيرًا.
وفي النهاية، أفاد المتحدث باسم مكتب المدعي العام في مانهاتن بأن ماثيو بودولسكي، الذي كان نائبًا لساسون، قد تم تعيينه الآن كقائم بأعمال المدعي العام في نيويورك، وهو ما يعكس استمرار التغيرات داخل هيئة الادعاء في ضوء هذه الاستقالات المفاجئة.