“البحث عن السعادة في المتعة .. تعاسة “

“البحث عن السعادة في المتعة .. تعاسة “

يكتبها لكم د . صالح وهبه

“البحث عن السعادة في المتعة .. تعاسة ”

كثيرون يلهثون وراء المتعة بخنوعهم واستسلامهم للذات والشهوات بأنواعها من شهرة وسلطة وجاه ومنصب وجنس وشرب وثراء وهم معتقدين أن سعادتهم تكمن في المتعة الوقتية الزائلة “قصيرة الأمد “.

وفجأة يفيقون من هذه الغفلة الزائفة على كابوس من القلق والتوتر والخوف وعدم الرضا وعدم الاطمئنان وهذا يقودهم في معظم الأحيان لأمراض نفسية ، توصلهم لحالة من الكآبة والاكتئاب وفي بعض الأحيان إلى الانتحار ومنهم من يصابون بأمراض عضوية جراء ذلك القلق والتوتر.

والتاريخ خير شاهد على ذلك فما أكثر المشاهير والأثرياء الذين وصلوا للانتحار ، فالذي يملك المال لا ينام ويفقد راحة البال ، والذي يملك عربية فاخرة أحيانا لا يملك الصحة، والذي يعيش في قصر قد يصاب بالاكتئاب والخوف من الوحدة والأماكن المغلقة ويتمني يعيش في أسرة ولو في أوضة تحت السلم،
والعالم الذي أفنى حياته في العلم أحيانًا يسرقه العمر وينكب على المعمل والبحوث فلا يتزوج ويعيش وحيدا ولا يعرف معنى الأبوة .

هؤلاء يبحثون عن السعادة الحقيقية ولكن لا يجدونها .
صحيح يشعرون بمتعة وقتية زائفة وسرعان ما تتحول لتعاسة.
هولاء يلهثون وراء متع الشهوات فلا يذوقون طعم السعادةالحقيقية وعندما يطلبونها كمن يطلب من وردة صناعية أن تفوح بالعطور أو كمن يطلب من أشواك الملذات عنبا ومن الحسك تينا .. ولكن هيهات .. هيهات .

والسؤال …. ماهي السعادة وكيف نحصل عليها ؟وهل هناك فرق بين السعادة والمتعة ؟ واذا اختلطت السعادة وارتبطت بالمتعة .. ماذا يحدث ؟
كل هذه الأسئلة ستجد لها إجابة من خلال هذه السطور الذهبية الآتية.

السعادة الحقيقية ليست في اللهاث وراء اللذات ولكن في الحياة الطيبة الروحية التي تحمل بين ثناياها معاني الرضا والأمان والاطمئنان وعدم الخوف .. حياة التقوى والقناعة .. حياة الإيمان والتقرب إلى الله وليست حياة الجري وراء سراب وأشياء رخيصة ومتع وقتية يعقبها تأنيب الضمير .. وراء حياة ماؤها مالح لا يروي أبدًا ، ماء من ينهل منه دائما عطشان مثل الماء المالح .

الفرق بين السعادة والمتعة “

(١)المتعة قصيرة الأمد كما ذكرنا بينما السعادة طويلة الأمد وفيها يشعر الإنسان بالأمان والاستقرار النفسي والطمأنينة .

(٢)المتعة عضوية وحسبة (خاصة بالجسد واللذات الزائفة) بينما السعادة روحية

(٤) المتعة في الأخذ بينما السعادة في العطاء .. سعادتك في إسعاد الآخرين بالتقرب إليهم والبذل والتضحية من أجلهم ومواساتهم … هذه هي السعادة الحقيقية كلما قسمتها على الآخرين تضاعفت سعادتك(تتعارض مع قوانين الرياضيات) .

(٥) المتعة يمكن تحقيقها بأشياء مادية كشراء سيارة فاخرة أو قصر فخم وما شابه ذلك أما السعادة في التقرب إلى الله بالتقوى مع القناعة .

(٦) السعادة تأخذها في جلوسك مع الناس والمتعة تأخذها لوحدك .. إزاي ؟؟
المتعة في احتساء فنجان قهوة لوحدك .
بينما السعادة مع زملائك وأنت تتقاسم معهم بوح ومتعة الجلسة وتحادثهم وتجادلهم بروح المحبة والأخوة

(٧) المتعة تقود إلى الإدمان بينما السعادة لا تقود إلى الإدمان على الإطلاق .. كيف؟
نعلم أن الدوبامين مصدر المتعة فهو يثير ويحفز الخلايا العصبية والتي تموت تدريجيا بشكل مفرط ومتكرر وبالتالي يكون ردة فعلها أنها تقاوم هذا الخطر بتقليل عدد المستقبلات المتاحة للتحفيز للدفاع عنها وفي المرة الثانية تحتاج ضربة أكبر ليحدث نفس القدر من الإثارة ثم ضربة أكبر فأكبر إلى أن تبدأ الخلايا في الموت وهذا ما نسميه “الإدمان “.

أما السيروتونين “مصدر السعادة” في المقابل فهو مثبط وليس محفز للخلايا العصبية فهو يثبط مستقبلاته لتحقيق الرضا ولا يتجاوز الحد في السعادة فهو عامل مهديء للخلايا العصبية لا يثيرها ولا يشعلها وينتهي الأمر بالرضا أو القناعة وهذا ما نسميه “السعادة ٠.

والجدير بالذكر ..
ثبت علميا أن الدوبامين (هرمون المتعة ) يقلل من فعل هرمون السيروتونين(هرمون السعادة) ويثبطه
وهذا يعني :
كلما سعينا وراء المتعة زادت تعاستنا .
وقد أجمع العلماء والفلاسفة على الآتي :
عند دمج مصطلح المتعة مع مصطلح السعادة من أجل الحصول على السعادة كانت النتيجة أننا “أصبحنا أتعس ما يكون ” .
فالجري وراء المتعة من أجل الحصول على السعادة ليست سعادة إنما هي قمة التعاسة.

الخلاصة
خاب من يظن أن سعادته في إسعاد نفسه في التمتع بأهواء ونزوات الدنيا الزائفة بالجري وراء المرأة وفدان الأرض والجنس والخمر واللذات الوقتية معتقدًا أن السعادة في حصوله على هذه الأشياء الرخيصة ، هذا الانسان الذي يربط هذه المتعة بالسعادة سيعيش طوال حياته تعيسا ومهما جرى وراء السعادة الحقيقية تجري أمامه ولا يستطيع الاقتراب منها ،
هذا الإنسان الغارق في بحر اللذات حتى لو شعر بسعادة لحظية سرعان ما تتحول إلى تعاسة مستمرة عاجلا أو آجلا . وتكون حياته مثل البالون الذي يتورم يوم بعد يوم وينتفخ بالهواء الفاسد ويكون شكله جميل ولا يصلح الا لقضاء ساعة أو ساعتين للديكورات والزينة وأعياد الميلاد وسرعان ما ينفجر .

أخيرا
الإنسان الذي يعيش في سعادة حقيقية دائمآ يعيش في رضا وقناعة ولا يتذمر من أية تجارب أو ابتلاءات .. دائما شاكر الله لأنه على يقين أنه في أيدي أمينة وعين ساهرة لا تنساه ودائما يردد هذه الكلمات :
ربنا موجود .. كله للخير .. مسيرها تنتهي
وإليكم هذه المعادلةالتي تلخص كل ماسبق :
متعة +سعادة = تعاسة .

Share This Article
اترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!