مجزرة المغول في 13 فبراير 1258
تاريخ بغداد والمغول هو فصل مأساوي وعنيف من تاريخ العالم الإسلامي. تمثل مجزرة المغول في 13 فبراير 1258 ضربة قاسية حضارية وثقافية للمدينة التي كانت ذات يوم مركزاً للعلم والفكر.
توضح الاقتباسات من المؤرخين كيف أن هذا الغزو أثر في المجتمع بشكل عميق، ليس فقط من حيث الأرقام الفادحة للقتلى، ولكن أيضًا من خلال الدمار الذي لحق بالمكتبات ومراكز التعليم، مما أدى إلى فقدان تراث حضاري وثقافي غني.
الخليفة العباسي المستعصم بالله وكان الأخير، أجبر على رؤية المصائب التي تعرضت لها بغداد قبل إعدامه. تختلف الروايات حول الطريقة التي أعدمه بها هولاكو، إلا أن أشهرها أن سنابك خيول المغول داسته في 20 فبراير 1258، بعد أن لُف في بساط كي لا يسفك دمه مباشرة، لأن المغول اعتقدوا أن الدم الملكي يجلب النحس.
الرحالة رشيد الدين فضل الله الهمذاني ترك شهادة عن تلك الكارثة الكبرى فحواها أن “هولاكو أمر بقتل كل من يحمل سلاحا، وأُحرقت المكتبات لأن كتبها كانت تتعارض مع الياسا (قانون المغول).. وتحولت بغداد إلى مدينة أشباح”.
أحرق المغول المكتبات في بغداد بما في ذلك مركز المعرفة الرئيس “بيت الحكمة” الذي كان أسسه الخليفة المأمون في عام 820، إضافة إلى ستة وثلاثين مكتبة عامة أخرى كانت تحتوي على أعداد ضحمة من الكتب والمخطوطات الفريدة.
مصادر تاريخية ذكرت أن مياه نهر دجلة استحالت إلى اللون الأسود من حبر الكتب الممزقة التي رميت فيها، وإلى الأحمر من كثرة دماء الضحايا.
المغول دمروا بشكل واسع عاصمة الخلافة العباسية بغداد، وجرى إحراق العديد من المساجد والقصور والمشافي.
رافق سقوط بغداد واقتحامها بعد حصارها 12 يوما مذابح واسعة النطاق. دمرت المدينة وتمت إبادة معظم سكانها. تتراوح تقديرات أعداد القتلى بين 200000 إلى مليون شخص.
الخراب الذي بقيت مضاعفاته لقرون تمثل في تدمير منظومة الري في بغداد بشكل كامل تقريبا. أدى ذلك إلى تدهور الزراعة في جميع أرجاء المنطقة.
قنوات الري في بغداد كان عمرها وقتها ألف عام، زالت ولم يتم ترميمها مطلقا. هذا الأمر حكم على بغداد والمناطق المحيطة بها أن تبقى فارغة لأجيال وأن تتحول صروحها الحضارية إلى أطلال لعدة قرون.
أما الحرائق التي اشعلها المغول في عاصمة الحضارة العالمية في تلك الحقبة، فكان من شدتها أن هولاكو نقل مقره إلى منطقة مجاورة لأن هواء المدينة تسمم بالسخام.
هذه الأحداث الرهيبة تركت ندوبا عميقة في الذاكرة الجمعية للعالم الإسلامي، وأصبحت نقطة تحول وانقلاب حاسمة. هذا الموقف المصيري عبّر عنه المؤرخ ديفيد مورغان في كتابه “المغول” بقوله إنه: ” نهاية حقبة وحضارة، وبداية عصر جديد من الفوضى وإعادة التشكيل السياسي”.
المصدر: