تأديب الصبيان والإمام الغزالى

الكاتب: حسين السيد

تأديب الصبيان والإمام الغزالى
كثير من الآباء، للأسف، لا يهتم بتربية الأبناء تربية صحيحة، تربية تقوم على تعاليم الدين الإسلامى، فقد أصبح الشغل الشاغل للأب هو توفير لقمة العيش، أما التربية فربما تحتل المرتبة الأخيرة من اهتماماته، لهذا وجدنا الأبناء الصغار لا يحترمون الكبار، ويسيئون إليهم، وكم يحزننى أن أجد مراهقا صغيرا يدخل فى عراك مع من فى سن أبيه، أو يشتمه ويسبه بأقذع الألفاظ، بل يحزننى أكثر أن أرى هذا المراهق يتطاول على أبيه.
كنا نقف احتراما وإجلالا لمن هم أكبر سنا عندما كنا صغارا، ونفسح لهم مكانا عندما لا يجدون مكانا يجلسون فيه، ولا نتحدث إلا بعد انتهاء حديثهم.. الآن تغيرت الأحوال، فصبية هذه الأيام لا يراعون القواعد والأخلاق المتعارف عليها. كل هذا بسبب عدم تربيتهم التربية التى يأمرنا بها الإسلام، فلما كبر الصبية وأصبحوا شبابا، كثر فيهم الكذب والخداع والتضليل والجشع، فنرى الطبيب الذى لا يحافظ على أسرار مرضاه، والمحامى الذى يبيع قضايا موكليه، والمدرس الجشع، والصنايعية الذين لا ذمة لهم.. كل هذا بسبب انعدام التربية فى الصغر.
واقرأ إلى ما سطره الإمام الغزالى فى كتابه “إحياء علوم الدين”، من وجوب الاهتمام بالنشء، فقال:”اعلم أن الطريق فى رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها، والصبيان أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد فى الدنيا والآخرة وشاركه فى ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقى وهلك، وكان الوزر فى رقبة القيم عليه والوالى له”.
أرأيت كيف أن للوالدين دورا كبيرا فى تنشئة الطفل تنشئة سويَّة، وأنهما إما أن يرشدا صغيرهما إلى طريق الخير والسلامة فيفوز ويفوزا معه، وإما أن يتركاه لمصير مظلم ينتظره فى الدنيا والآخرة وهما يشاركانه فى هذا المصير القاتم.
وأوصى الإمام بضرورة احترام الكبير، وأعطانا آدابا نتعامل بها مع من هم أكبر منا، فقال فى هذا المعنى:”وأن يحسن الاستماع مهما تكلم غيره ممن هو أكبر منه، وأن يقوم لمن فوقه، ويوسع له المكان، ويجلس بين يديه”، هل اتبعنا هذه النصائح وغرسناها فى نفوس أطفالنا؟ أشك فى ذلك.
وبعد أن يقدم الغزالى إرشاداته وتوجيهاته التى يجب اتباعها مع الصبى ينتقل إلى مرحلة التعلم، وهى:”ثم يشتغل فى المكتب فيتعلم القرآن وأحاديث الأخبار وحكايات الأبرار وأحوالهم لينغرس فى نفسه حب الصالحين، ويحفظ من الأشعار التى فيها ذكر العشق وأهله، ويحفظ من مخالطة الأدباء الذين يزعمون أن ذلك من الظرف ورقة الطبع، فإن ذلك يغرس فى قلوب الصبيان بذر الفساد”.
من من الآباء يفعل هذا مع أبنائه؟! هم فى واد وأبناؤهم فى واد آخر إلا من رحم الله، فالعيب كل العيب واللوم كل اللوم يقع على الآباء وحدهم، فإنه قصروا فى تربية أبنائهم تقصيرا سيحاسبون عليه أمام الله عز وجل.
وليس التعلم وحده هو الذى طالب به الإمام الغزالى، فالحياة ليست قائمة على العلم فحسب، فعلينا الترفيه عن الأبناء، والسماح لهم باللعب واللهو البرىء، حتى يعودوا إلى نشاطهم مرة أخرى، ويقبلوا على التعلم بشغف، فيقول:”وينبغى أن يؤذن له بعد الانصراف من الكتاب أن يلعب لعبا جميلا يستريح إليه من تعب المكتب بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبى من اللعب وإرهاقه إلى التعلم دائما يميت قلبه ويبطل ذكاءه وينغص عليه العيش، حتى يطلب الحيلة فى الخلاص منه رأسا. وينبغى أن يعلم طاعة والديه، ومعلمه ومؤدبه، ومن هو أكبر منه سنا من قريب وأجنبى، وأن ينظر إليهم بعين الجلالة والتعظيم، وأن يترك اللعب بين أيديهم”.
أخلق بهذه التربية أن تؤدى إلى وجود مجتمع معافى من الأمراض! مجتمع قادر على الإسهام بنصيبه فى الحضارة الإنسانية، وألا يكون عالة على المجتمعات الأخرى، مجتمع يشعر أفراده بالأمن والأمان، مجتمع قائم على المودة والمحبة.

تأديب الصبيان والإمام الغزالى

بقلم: حسين السيد

Share This Article
اترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!