تطبيع الطباع

دكتور صالح وهبة

تطبيع الطباع

بقلم د .صالح وهبة

كثيرا ما تنطبع في حياتنا تحديات صادمة وهي (التعود ..التذكر ..التقليد والتبعية ) .

(التعود) …
مثل التعود المستمر الذي يصل بالإنسان الى الإدمان
مثل شخص غير محتاج للفلوس ولكن هواياته السرقات ..
وآخر يعناد معاكسة السيدات وتوزيع النظرات ..
وثالث مدمن مخدرات ومسكرات ..

(التذكر )..
مثل شخص كانت مسيطرة عليه عادة سيئة فيتذكرها وبجترها ويفعلها .

(التقليد) ..
مثل شخص سافر لإحدى البلدان تبيح المنكرات والمحرمات ،
فيتقلد بهم ويتعايش معهم وعندما تسأله يقول :(الكل يعمل كده ولازم أساير الجو !!)
غير مدرك أن ( شيوع الشر لا يعطي للشر شرعيته )..

(والسؤال…)
هل يمكن تغيير الطبع ؟
فكثيرا ما نسمع مقولات في هذا الصدد (الطبع غلب التطبع …..من شب على شيءٍ شاب عليه )

في هذا المقال سنستعرض ثلاث كلمات ذهبية تساعد على ترويض الطباع والعادات السيئة المتملكة على الإنسان ليتخلص منها وهي (الاقتناع … الامتناع .. الإشباع والارتفاع )

(الاقتناع) ..
يجب أن تقتنع من داخلك إن العادات السيئة المسيطرة عليك أو أفعال الشر طريقها دمار وهلاك للذات والنفس.. 

ويحضرني في هذا الصدد قصة الشاب الذي ذهب الى حكيم لينصحه حتى يغير من سلوكياته
فنظر اليه الحكيم برهة ..
بعدها نكس رأسه في إناء كبير مملوء بالماء وتركه لحظات وهو مغمور في الماء وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ،
سارع بإخراجه من الماء وهو ينهد ويلتقط أنفاسه بصعوبه ثم نظر إلى الحكيم بغضب قائلا :لماذا فعلت بي ذلك ؟
وهنا سأله الحكيم قائلا: ما شعورك وأنت منكس في الماء ؟
فقال له : كنت أتوق إلى أخذ نفس هواء ليرد روحي وينقذني من اسفكسيا الخنق والموت .

قال الحكيم :لو كان عندك نفس الشعور والاشتياق والشغف لخروجك من أفعالك السيئة وإنها ستدمرك دنيا وآخرة ما كنت تعبت وأتيت لتاخذ مني نصيحة ..

المغزي هو (الاقتناع بأن الجري وراء النزوات يؤدي للهلاك)

فلابد أن نقتنع بأن إدمان الحشيش حرام لماذا ؟
التوضيح ..
المادة نفسها ليست حرام فمادة المورفين المشتقة من الحشيش تستخدم كمخدر في بعض العمليات الجراحية..
لكن !!!!
استخدامها في الكيف وتتركها تسيطر عليك فهذا حرام قطعا..

مثال آخر ..
إدمان الخمر والكحوليات ..
لازم نقتنع إنها تؤدي الي تليف الكبد وعند وصولها للدم تدمر كريات الدم الحمراء وتجعلها هشة ولزجة وتلتصق ببعضها مكونة خثرا دموية تسد الأوعية الدموية الصغيرة في الدماغ مسببة تدمير خلايا المخ تدريجيا وخلالها يشعر المتعاطي بنقص الأكسجين وتظهر لديه شعور بالمتعة والارتخاء ولكن في نفس الوقت يموت الدماغ ..

والجدير بالذكر ..
اثبتت الدراسات أن متعاطي المخدرات يحتاج إلى جرعات إضافية عند تخديره في إجراء عمليات جراحية له..

وذكر في القرآن في قوله تعالى : “يسالونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس
وإثمهما أكبر من نفعهما “
وفي الإنجيل “خمرا ومسكوا لا يشرب “

ولكن !!!…
لا يغيب عنا أن الاقتناع ..
لا يعني أن الإنسان يكف عن عاداته ،
فما أكثر الأشخاص الذين يقتنعون ولكن ما يزالون على طبيعتهم الأولى (يلومون أنفسهم ولكن دون جدوى ).. 

وهنا تأتي الكلمة الثانية وهي “الامتناع”

الامتناع ..
يعني أخذ قرار نهائيًا وحاسمًا من داخل الشخص بالامتناع …
لكن …!!!
يجب أن ننتبه (حتى بعد أخذ القرار النهائي بالامتناع )
“لكي يتخلص من عاداته نهائيًا …هذا يأتي بالتدريج “. لماذا؟

بعد أخذ القرار النهائي للامتناع ممكن تزور الشخص أفكار شريرة أو ذكريات فيضعف أمامها ويحن إليها وتصبح أسلوب حياة. style of life

فيجب على الشخص “لا يجعل هذه الأفكار تحلق فوق رأسه”
، بل يسارع بطردها فورا (تمر سريعا ولا يجعلها تعلق بذهنه

(وكأن شخص يرتدي عباءة جديدة وما إن علق بها ذرات غبار ينفضها فورا )

لكن !!!!!
ممكن يقتنع ويمتنع وعقله يكون فارغ ..
يجب أن ندرك جيدا .. (عقلك مثل كوب الماء لا بد أن يمتليء )

فلا تتركه فارغا لئلا يملأه الشيطان بأفكار ووساوس يقلب الوضع 360 درجة
فترجع مثل الاول وأكثر ..

املأ كأسك بالروحانيات ..اشغل وقت فراغك بأعمال مفيدة لأن الفراغ (بلاغ عاجل للشيطان بوجود مكان شاغر في عقل الإنسان..)

ويجب أن نعي جيدا …
أن العزوف عن فعل الشر أو الإقلاع عن عادة سيئة ليس تغيير سلوكي بل تغيير نمط تفكير ..تغيير ميول ..It is not Change of behavior but It is Change of attitude

مثل طالب في المرحلة الإعدادية كان متعود يأكل شيكولاته وبعد أن كبر أصبح ميوله نحوها مختلف فلا يهمه تناولها لأنه ارتفع ضد جاذبية الجسد وشهواته ونزواته وترفع عنها وتطلع إلى ما هو أسمى وأعلى وهي “الروحانيات “
وهذا هو الشبع أو ملء الفراغ
أما الارتفاع هو السمو والترفع عن الماديات

الخلاصة ….
عندما يرتكب الإنسان خطأ ،، لكي يعزف عنه يمر بثلاث مراحل مجتمعة …
الافتناع بأن ما يفعله خطأ ومحرم … ولكن مازال مستمر ..
ثم تأتي بعدها مرحلة الامتناع فيأخذ قرار نهائيا للامتناع ….
ولكن بعدها تطارده الأفكار الشريرة فتملأ عقله وممكن يضعف ….
فتأتي بعدها مرحلة الامتلاء والشبع والارتفاع ….

والترفع عن الماديات والتطلع إلى الروحانيات ..

رب اجعلنا ننظر إلى الباقيات وانعم علينا بالسلام والأمان لنعيش في اطمئنان ..

Share This Article
اترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!