القواسم المشتركة بين ثورتى يوليو ويونيو
بقلم.د محمد قشقوش
القواسم المشتركة بين ثورتى يوليو ويونيو
فى مسيرة إنعاش الذاكرة الوطنية، تحتفل مصر شعبا وجيشا فى تلك الأيام بذكرى ثورتين وطنيتين هما ثورة 30 يونيو2013 وثورة 23 يوليو1952 بفاصل زمنى حقيقى لستة عقود(61) عاماً وبفاصل تتالى زمنى للذكرى لقرابة ثلاثة اسابيع (23) يوماً فقط مما يزيد من الإحساس الوطنى والقومى. وزاد عليهما هذا العام الإحساس الروحى بين التاريخين, متمثلاً فى توقيت مناسك الحج الأعظم ورأس العام الهجرى 1445 أعاده الله على مصر والأمة الإسلامية والعالم أجمع بالخير والبركة والتحرر والتوحد والسلام..
كان القاسم المشترك الرئيسى بين الثورتين هو حتمية قيامهما لإنهاء مرحلة الاستعمار والاحتلال المادى والعسكرى او الفكرى, حيث تراجعت معه مكانة الدولة الوطنية المصرية التى تبوأت تلك المكانة كدولة مركزية منذ فجر التاريخ. كما كان أهم القواسم المشتركة بين الثورتين هو الإرادة الوطنية المتكاملة بين الشعب وجيشه. فثورة 23 يوليو قام بها الجيش وأيدها الشعب. اما ثورة 30 يونيو فقام بها الشعب وحماها الجيش الذى هو جيش الشعب.
اما عن حتمية قيام ثورة يوليو 1952 فيجب ان نعود الى الوراء قليلا حيث يتراكم التاريخ حين مثلت تلك الثورة الحلقة الأخيرة من سلسلة الكفاح الوطنى (مصطفى كامل ومحمد فريد كمثال) لنيل الاستقلال وإجلاء بريطانيا وجيشها الذى احتل مصر منذ عام 1882 ليكون هذا التاريخ فاصلا فى تقييم حكم أسرة محمد على, فقبل هذا التاريخ ومنذ 1805 أبلت الأسرة بلاء حسنا فى بناء مصر الحديثة فى كل المجالات، الزراعية والصناعية والعسكرية والثقافية الإبداعية كما تم حفر قناة السويس.
بعد هذا التاريخ جلب الخديو توفيق الجيش البريطانى لحمايته, حيث زاد نفوذه تدريجيا ليسيطر المندوب السامى البريطانى على القصر، وبالتالى على مصر ليكونا فى كفة مقابل شعب وجيش مصر فى الكفة الأخرى، وكان الجيش مُقَلًم الأظافر خاصة بعد إجهاض ثورة عرابى ونفيه للخارج ثم ثورة 1919 ونفى قائدها سعد زغلول الى الخارج ايضا. وكان الاستثناء الوطنى فى تلك الفترة من الأسرة العلوية هو الخديو عباس حلمى الثانى(1892-1914) حيث عزله الإنجليز! نظرا لرفضه الاحتلال البريطانى للسودان 1899.
ولامتصاص غضب الشارع المصرى الذى كان يهتف (الاستقلال التام او الموت الزؤام) قدمت بريطانيا من جانب واحد (ورقة استقلال مصر) دون اى تغيير فكانت بمثابة ورقة لا تسمن ولا تغنى من جوع. وكان اقصى ما حققته الحكومة المصرية مع المحتل البريطانى هو معاهدة عام 1936 التى بموجبها تم تجميع الجيش البريطانى من ربوع مصر الى منطقة قناة السويس(بور سعيد- الإسماعيلية- السويس- التل الكبير) لحماية القناة – حيث كانت بريطانيا هى اكبر مستثمريها – حيث انتهى ذلك بالجلاء فى مايو 1956، ثم اشتراك بريطانيا فى العدوان الثلاثى على مصر فى أكتوبر من نفس العام.
على الجانب القومى العربى كانت مأساة فلسطين تتفاقم تحت غطاء الانتداب البريطانى المتواطئ فهى صاحبة وعد بلفور 1917 والهجرة المسلحة الى فلسطين (بجواز سفر فلسطينى كمهاجر) كمكافأة للفيلق اليهودى الذى شارك الحلفاء الانتصار فى الحرب العالمية الثانية 1939-1945 ليختل ميزان القوى لمصلحة اليهود ضد العرب وتطلب بريطانيا تقسيم فلسطين بينهما لعدم قدرتها على السيطرة, لتصوت الأمم المتحدة الوليدة (57 دولة) بالثلثين بالقرار 181 نوفمبر 1947 الذى أعطى لليهود اكثر من نصف فلسطين بقليل (يلاحظ التنفيذ الفورى, بينما ما هو لمصلحة فلسطين والقدس لم ينفذ حتى الآن)…
أعقب ذلك هجمات الفدائيين من الدول المحيطة بفلسطين، خاصة مصرالتى كانت تدبر السلاح بالهجمات على معسكرات الإنجليز فى منطقة قناة السويس, لينتهى الانتداب البريطانى ويعلن قيام إسرائيل فى 15 مايو 1948 لتبدأ أول حرب عربية إسرائيلية (مصر- لبنان- الاردن- سوريا- العراق- السعودية) تحت قيادة ملك الاردن ومستشاره العسكرى البريطانى الجنرال جلوب!! دون إعداد او تنسيق لتنتهى الحرب بهزيمة العرب.حيث حوصرت قوة مصرية فى (الفالوجا) وكان نائب قائدها الرائد جمال عبدالناصر الذى شكًل وقاد خلايا الضباط الأحرار الذين كانوا حانقين على القيادة المصرية العسكرية والسياسية…
تدهور الموقف بهجوم القوات البريطانية على قسم شرطة الإسماعيلية فى 25 يناير1952وقتل من فيه بدعوى إيواء الفدائيين، وأعقب ذلك حريق القاهرة وقتل مصريين وأجانب وفشلت الحكومة والقصر وعمت الفوضى فحانت حتمية قيام ثورة23 يوليو 1952 بواسطة الجيش المصرى بقيادة الضباط الأحرار، حيث لاقت تأييداً شعبياً عارماً ضد الإنجليز والقصر، لتنجح الثورة فى إجلاء الإنجليز وإبعاد الملك، وإعادة استقلال السودان، واستكمال بناء مصر الحديثة فى جميع المجالات ضمن مبادئ الثورة الستة التى حفظناها، ونحن فى المرحلة الإبتدائية إبان الثورة.. فكل عام وشعب وجيش مصر بكل خير..