
الشرق الأوسط الآن يمرّ بأخطر مرحلة في تاريخه الحديث منذ النكبة… ولا أبالغ إن قلت إن هذا أكبر خطر وجودي تواجهه المنطقة العربية منذ الزحف المغولي.
إن لم تكن متابعًا لما يحدث في العالم خلال الـ 48 ساعة الماضية، أطلب منك أن تترك كل شيء بين يديك الآن، وتركّز معي فيما سأقوله، لأن هناك قصة يتم تحضيرها في الخفاء، وراء الشعوب، ونتائجها قد تؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية للأبد، وبداية خطر وجودي يهدف إلى القضاء على آخر معاقل ودروع الأمة العربية المتبقية… مصر!
انظر يا صديقي… القصة بدأت قبل حوالي ثلاثة أيام، عندما نزل ترامب إلى الخليج…
لم أتحدث عن هذا الاستقبال في وقته ولا عمّا دار خلاله، لأن الأمر بصراحة أزعجني جدًا، وفضلت الصمت… لكن إن كنت لا تعرف ما الذي حدث، دعني أمر سريعًا على أبرز تفاصيله تمهيدًا لما سيأتي لاحقًا…
عندما بدأ ترامب رحلته الخليجية، التي شملت المملكة العربية السعودية، قطر، والإمارات، استُقبل في كل واحدة من هذه الدول الثلاث وكأنه ملك!
هناك الكثير من المقالات والتقارير التي يمكن أن تُكتب حول تفاصيل هذه الزيارات الثلاث، وما دار خلالها، بدءًا من الطائرة الرئاسية التي أهدتها قطر لترامب بقيمة 400 مليون دولار، إلى زيارته لمقر الدين الإبراهيمي الجديد في الإمارات، ثم لقاؤه بأحمد الشرع، الرئيس الجديد لسوريا في السعودية، وغير ذلك الكثير… لكنك بالتأكيد قرأت العديد من المنشورات والأخبار حول هذا الموضوع خلال الأيام الماضية، لذا لن أطيل عليك في التفاصيل…
الأهم والذي يخصّنا أنا وأنت، هو أن هذا الاستقبال الضخم لم يكن مجانيًا!
الرجل أمضى ثلاثة أيام فقط، وغادر محملًا باتفاقات واستثمارات وصفقات مع الدول الثلاث بلغت قيمتها 3.5 تريليون دولار!
نعم، الرقم صحيح… 3.5 تريليون دولار! وإن لم تكن مدركًا تمامًا لحجم هذا الرقم، دعني أخبرك بأنه أكثر من ضعف قيمة الناتج القومي المشترك للسعودية والإمارات وقطر مجتمعين!
الأموال هذه لم تُدفع بشكل مباشر لترامب، بل جاءت في صورة استثمارات وصفقات والتزامات استثمارية سيتم ضخها في الاقتصاد الأمريكي خلال الأشهر والسنوات القادمة، بالإضافة إلى صفقات أسلحة ضخمة تُعتبر من أكبر صفقات التسليح في تاريخ الولايات المتحدة!
وفي المقابل، تعهّدت أمريكا بحماية دول الخليج من التمدد الإيراني ومن نفوذ أي دولة أخرى قد تهدد استقرار المنطقة…
لكن الفكرة الأهم، والتي ربما لم تنتبه لها، هي أن ترامب قام بحركة ذكية قبل زيارته للخليج…
ماذا فعل؟
جمّد الحرب التجارية مع الصين مؤقتًا، وقام بإلغاء الرسوم الجمركية التي كانت مفروضة عليها، والتي كانت 10% فقط بعد أن وصلت سابقًا إلى 145%!
لماذا؟
لأن الصين تمتلك استثمارات ضخمة في الخليج، ولو تمت الزيارة في ظل حرب اقتصادية مفتوحة، لكان مصيرها الفشل… وكان ترامب بحاجة إلى ضمان نجاح الصفقات التي عقدها هناك…
لكن الهدف الحقيقي لهذه الصفقات لم يكن مجرد الاستثمار… بل كانت لأغراض أكثر خطورة، تتلخص في ثلاثة أهداف رئيسية:
1️⃣ الهدف الأول: سدّ العجز الهائل في ديون أمريكا الداخلية، التي وصلت إلى أرقام فلكية، ويتوجب سداد جزء كبير منها خلال هذا العام.
2️⃣ الهدف الثاني: محاولة تحسين صورته أمام الشعب الأمريكي، بعد 100 يوم من الكوارث الاقتصادية التي تسبب بها.
3️⃣ الهدف الثالث والأخطر: تمهيد الطريق لتنفيذ الخطة الأخطر…
تهجير مليون فلسطيني من غزة إلى ليبيا!
أمس، شبكة NBC News نشرت تقرير يعتمد على تسريبات شبه مؤكدة من داخل الإدارة الأمريكية، بتقول إن إدارة ترامب دلوقتي شغالة على خطة سرية لتفريغ قطاع غزة من مليون فلسطيني، ونقلهم بشكل دائم إلى ليبيا. وبيحصل حالياً مفاوضات مع القيادات الليبية علشان تحقيق الخطة دي في الأيام الجاية!
وبحسب التقرير، ترامب عرض على الليبيين فك تجميد مليارات كانت أمريكا حجزتها من أكتر من 10 سنين، وتخص الشعب الليبي أساسًا، مقابل إنهم يمشوا في الصفقة دي. وتلاقي الرابط في أول كومنت تحت!
ومن هنا بقى بدأ يحصل اللي شايفه من قلبان في ليبيا اللي بقاله كام يوم… مش هنخوض في التفاصيل، لكن المهم تعرف ليه الموضوع ده بيحصل دلوقتي بالذات، بغض النظر عن الأطراف اللي وراه…
والمشكلة إن الخطة دي مش سرية أصلاً، ترامب عمره ما خبى نواياه عن العالم، بل بالعكس، أعلن عنها على شاشة “فوكس نيوز” قبل كده بشكل مباشر: إن عدد سكان غزة حوالي 2 مليون، ونقدر نوزعهم على الشرق الأوسط بدون مشكلة…
كأنهم طرود بريد… كأنهم مش بشر!
كأن غزة دي أرض فاضية من السكان، ومحتاجينها عشان يبنوا عليها فنادق ومنتجعات سياحية، وتتحول لريفيرا الشرق تحت الوصاية الأمريكية!
وطبعًا، علشان الصورة تظهر بشكل “حضاري”، الخطط اتغلفت بحوافز، وهي توفير شقق مجانًا لسكان القطاع، ووظايف بأجور مغرية، وضمانات أمريكية للانتقال الآمن، من غير تهديدات أمنية… وطبعًا، لو حد قبل ده، مفيش عليه لوم، دول عايشين من سنتين تحت قصف وإبادة، وحقهم يحسوا بالأمان.
وهنا بقى بيظهر دور إسرائيل…
جيش الاحتلال أعلن امبارح عن بدء عمليته العسكرية “عربات جدعون”، والاسم ده مش عشوائي، ده له رمز من التوراة، وذكروا زمان في 1948 أثناء نكبة بيسان وتهجير الفلسطينيين منها.
ودلوقتي، وإنت بتقرا، الغارات مأرقة فوق رؤوس أهل القطاع، والتهديد بالاجتياح البري بيزيد، والهدف بيكون كالتالي:
جمع سكان القطاع اللي حوالي مليون وستمائة ألف، ونقلهم لمنطقة حوالي 45 كيلومتر مربع جنوب رفح، على محور موراج… ده معناه إن كل كيلومتر مربع سيكون فيه حوالي 45 ألف شخص، تحضيرًا لعملية التهجير النهائية.
وحتى المقاومة أعلنت من يومين عن استعدادها لتسليم السلطة في غزة، وتسليم الحكم للجنة مستقلة، وفتح سراح جندي أمريكي من الرهائن، كنوع من إثبات النية الحسنة لترامب… ومع ذلك، وكما يرى الجميع، الخطة ماشية رغم كل شيء.
وفي وسط كل ده، مصر فين؟!
مصر يا صديقي واقفة لوحدها حرفيًا، ولأول مرة نعيش معنى الخذلان اللي اتقال في كتب التاريخ قبل كده. في قمة عربية قُدمت في بغداد، حضرها بس الرئيس المصري ومعاه رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس العراق، اللي هو البلد المضيف، ورؤساء الصومال وقطر، والباقي غيّبوا،
22 دولة عربية حتى إسبانيا حضرت ورئيسها هاجم إسرائيل علنًا، والعرب غايبين تمامًا.
في القمة، الرئيس السيسي قال كلمة مهمة جدًا: “حتى لو إسرائيل نجحت في تحقيق اتفاقات تطبيع مع كل الدول، لن يكون هناك سلام حقيقي وشامل ومستدام إلا بإقامة دولة فلسطينية على حدود 67، وعاصمتها القدس الشرقية.” باختصار، السلام مش بالهجرة، أو بتوزيع الناس وتشتيتهم، ولا ببيع أرضهم ومقدساتهم، والعجيب إن أمير قطر غادر بغداد بعد كلمة السيسي، ولغى كلمته اللي كان المفروض يقولها.. وده حسب رأيك.
مصر قالت لأ..، وواقفة من زمان، في وسط مؤامرات واتهامات وتخوين واستفزازات من أكبر دولة في العالم، وكل ده عشان الموضوع دلوقتي مبقاش بمزاجنا للأسف.
مستقبل المنطقة دلوقتي بقى مرتبط بأخر درع في الشرق الأوسط، مصر.. أم الدنيا، وارض الكنانة اللي كانت دايمًا الصخرة اللي تتكسر عليها أمال وطموحات الأعداء وفتوحاتهم.
لكن، الموقف دلوقتي أصعب وأخطر من زمان، وأخطر حتى من الزحف المغولي، وده مش بس كلام بلاغي، ده حقيقة.. أيام الزحف المغولي كنا نقدر نواجه، وكان معانا حلفاء، وكان أهل الحق موحدين على كلمة لا إله إلا الله. لكن دلوقتي، خلاص، الدين بقى موضة قديمة، والكلمة الأخيرة للكسب والبيزنس.
نحن الآن في لحظة فارقة ستكتب عنها كتب التاريخ.. فهل نواصل الخضوع والضعف والتمزق والخوف، ونسيبهم ينهوا ما تبقى من بلاد العرب، وتكون البداية لسقوط آخر حصون المنطقة، ونصير شعوب محتلة ومواطنين من الدرجة الثانية في أوطاننا؟! أو هل في أمل نوقف التهجير، ونوضح لهم أن الأرض مش للبيع، والناس مش صناديق شحن، والكرامة مش بند في صفقة القرن؟ هو ده السؤال الحقيقي
بقلم: محمود علام
رابطة الأدباء المصريين