فضيحة امريكية
أحداث وقعت قبل 80 عاما أثناء إنزال قوات الحلفاء في فرنسا لتحريرها من المحتل النازي، ذلك إن 156 ألف جندي أمريكي وبريطاني وفرنسي شاركوا في عملية الإنزال في 1944, فيما اعتبره كافة المؤرخون عملا بطوليا تميز بشجاعة كبيرة وراح ضحيته الآلاف من جنود الحلفاء.بحسب فرانس برس
ومن المؤكد أن عملية الانزال استدعت الكثير من الشجاعة وأنه ذهب ضحيتها الآلاف، ولكن صورة تحرير فرنسا في المرحلة الأولى لم تكن وردية كما يقول المؤرخون والمعلقون على تلك الفترة، وتجنب الجميع الحديث عن تلك الأحداث طوال 80 عاما، حتى بدأ بعض الشهود باالحديث عن هذه الجرائم.
اغتصاب جنود أمريكيين لمئات الفرنسيات
هناك الكثير من الشهادات حاليا، مثل إيميه دوبري، التي تعيش في قرية صغيرة في مونتور في منطقة بروتانيي، والتي التزمت الصمت منذ عام 1944، ولكنها وهي في التاسعة والتسعين من العمر كشفت عن جريمة اغتصاب والدتها من جنديين أمريكيين، اقتحما المنزل في المساء، بعد أيام من الإنزال، وهما في حالة سكر شديد، وأرادا الاعتداء عليها – وكانت في التاسعة عشر من العمر – وأطلقا النار على والدها دون أن يؤدي ذلك لقتله، وعندما تصدت الأم للدفاع عن ابنتها، أخذوا الأم إلى الحقول وقام كل منهما باغتصابها 4 مرات، وهذا ما سجلته الأم في رسالة تفصيلية تركتها لابنتها كشهادة.
شهادة أخرى أدلت بها جان بينغام (89 عاما) وتعيش في منطقة بريست في أقصى غرب بروتانيي، وتتعلق باغتصاب أختها الكبرى كاترين ومقتل والدها على يد جنود أميركيين، عندما تدخل محاولا حماية ابنته، وتقول جانين بلاسار، وهي إحدى بنات كاترين، إن والدتها احتفظت لنفسها “بهذا السرّ الذي سمّم حياتها” حتى أيامها الأخيرة، حيث قالت لها وهي على سريرها في المستشفى: لقد اغُتصبت أثناء الحرب، أثناء التحرير. فسألتها: هل تمكنتِ من إخبار أحد؟ قالت لي: أخبرُ أحداً؟ كان التحرير وكان الجميع سعداء، لم أكن أريد أن أقول شيئًا كهذا، لم يكن من الممكن أن أقول شيئا، لم يكن أحد ليصدّق.
وإذا كانت السلطات العسكرية الأميركية قد حاكمت، في تشرين الأول/أكتوبر 1944، في نهاية معركة النورماندي الحاسمة، 152 جنديا بتهمة اغتصاب نساء فرنسيات، فإن المؤرخين الذين بحثوا في هذا الموضوع يؤكدون أن عدد جرائم الاغتصاب الحقيقي يتجاوز بكثير هذا الرقم.
فضيحة امريكية تشجيع رسمي على الاغتصاب
ولا يبدو ان الأمر يقتصر على بعض النفسيات المريضة التي ارتكبت هذه الجرائم، وإنما كان وراء ذلك تشجيع من الجيش الأمريكي، الذي أراد تشجيع الجنود على القتال خارج وطنهم، بنشر الدعاية القائلة بأن “فرنسا مليئة بنساء سهلات المنال”، كما تقول المؤرخة الأمريكية ماري لويز روبرتس، المتخصصة في هذا الملف.
وذهبت صحيفة “ستارز أند سترايز” التي كانت تصدرها القوات المسلحة الأميركية إلى نشر صور لنساء فرنسيات يقبّلن الجنود المحررين، مع عنوان يقول “الفرنسيات مهووسات باليانكيز (تسمية تطلق على الأميركيين) … وهذا ما نقاتل من أجله”.
وتقدر المؤرخة الأمريكية أنه لم يتم الإبلاغ عن الآلاف من حالات الاغتصاب التي ارتكبها جنود أميركيون في الفترة الممتدة بين العام 1944 وحتى مغادرة الجنود الأميركيين في نيسان/أبريل 1946.
مواجهة جريمة الاغتصاب بجريمة العنصرية
وتأتي الشهادة في هذا المجال من مصدر مباشر، وهو الكاتب لوي غييو الذي كان يعمل مترجما ضمن القوات الأميركية بعد عملية الإنزال، وتم تكليفه بمهمة الترجمة خلال محاكمات الاغتصاب في المحاكم العسكرية الأميركية، وقد أصدر كتابا عما حدث.
أشار غييو إلى أن “المحكوم عليهم بالإعدام جميعهم تقريبًا من السود”، وأنه تم شنق هؤلاء الجنود في الساحات العامة بالقرى الفرنسية، وبينهم مغتصبا إيميه إيلوديس وكاترين تورنوليك.
ويرى فيليب بارون، وهو مؤلف فيلم وثائقي عن هذه الرواية، أنه يوجد “وراء موضوع الاغتصاب من جانب المحررين، سرّ مخز يتمثّل في وجود جيش أميركي عنصري… مدعوم أحيانًا من سلطات محلية عنصرية”، نظرا لأن تقديم الجنود الأمريكيين للمحاكمة بهذه التهمة اقتصر، تقريبا، على الجنود السود،
وحول هذه النقطة تقول ماري لويز روبرتس إن الجيش الأمريكي عندما تتكاثر الاتهامات ويصبح الوضع خارج السيطرة “كان يختار الجنود السود ككبش محرقة من أجل تحويل الاغتصاب الى (جريمة سوداء) وحماية سمعة الأميركيين البيض”.
وهو ما أكدته إحصاءات كشفت أنه بين 29 جنديًا حُكم عليهم بالإعدام بتهمة الاغتصاب بين 1944 و1945، 25 هم من السود.
أسطورة الجنود الأمريكيين
لم تقتصر هذه التصرفات من قبل الجيش الأمريكي لطي الموضوع وإخفاؤه على تلك الحقبة، وإنما يبدو أنه ممتد حتى أيامنا، ذلك إن ماري لويز روبرتس وُضعت تحت الرقابة الأمنية في العام 2013 إثر نشر كتابها “نساء وجنود أميركيون”، وهي تفسر ذلك بأن الجيش الأمريكي يريد الحفاظ على “أسطورة الجنود الأمريكيين” بأي ثمن، وتقول “كانت الحرب العالمية الثانية هي الحرب من أجل هدف سام، لأن كل الحروب التي قادتها حكومتنا منذ ذلك الحين كانت هزائم أخلاقية، مثل حرب فيتنام أو حرب أفغانستان” … “لا أحد يريد أن يخسر هذا البطل الأميركي الذي يجعلنا فخورين: الجندي الأميركي الشجاع والشريف، حامي المرأة…حتى لو كان ذلك يعني استمرار الكذبة الى ما لا نهاية”.
تغطية مستمرة على مدار الساعة من منصة “غرد بالمصري”:
تابع أحدث الأخبار والتقارير في جميع الأقسام: