” جولة مع قامات الفكر في دمياط ”
بقلم: إبراهيم الديب/ مصر
جولة مع قامات الفكر في دمياط
عدت مرة أخرى تحت الحاح عقلي: للمقارنة الذهنية بين المفكرين ، و هذا التصنيف الذي أخلص إليه دوما في مثل هذه المناقشات التي تدور، بيني وبين نفسي، وما اخلص إليه من نتيجة ،والتي هي حصيلة التمارين العقلية، والرياضة الذهنية، لا تخص احدا من الناس غيري ، وهي ليست دراسة أو تقييم نقدي لما يكتبون ،بل هو انطباع عفوي عنهم مما تركته القراءة في نفسي فهي انطباع، مبعثه القلب، والحب، والإعجاب، والشغف الشديد بكتابتهم، في النهاية هي علاقة قارئ بمفكر، أو أديب فأنا أعتقد أن الشخص أو الإنسان الحقيقي هو: كل من حاول أن: يمسك قلما ليسطر على الورق رأيه ليمحو بهذا الرأي شيئا من الجهل, ويمحو به ما أمكن شيئا من القبح، ويبذر وينشر به بين الناس ما يستطيعه من الخير والحب و التسامح والجمال .
المقارنة في الفكر بين أبناء دمياط وهم: دكتور زكي نجيب محمود, ،ودكتور عبد الرحمن بدوي ،ودكتور شوقي .
حصل دكتور زكي نجيب محمود على أعلى النقاط في الاستفتاء الذهني، يليه دكتور شوقي ضيف، وحل ثالثاً دكتور عبد الرحمن بدوي، هم بالطبع لا يمثلون دمياط فقط ولكنهم أضافوا للحقل الثقافي بل وللثقافة العربية من الخليج للمحيط، فهم جزء من شخصية مصر ، وحفنة من ترابها وقبس من روحها.
لعل السبب الذي من أجله وضعت زكي دكتور زكي نجيب محمود في المقدمة أنه ،أعاد دراسة تراثنا الفكري في عدة كتب وخاصة في ثلاثيته الشهيرة “تجديد الفكر العربي ” والمعقول واللامعقول في تراثنا الفكري” وثقافتنا في مواجهة” خلص زكي نجيب محمود لنتيجة مفادها أن تراثنا الفكري ليس به ما يمنع أن نستمتع بحضارة العصر ونجمع بين فكر الاستنارة للحضارة الأوربية الحديثة ، وتراثنا الفكري، دون المساس في نفس الوقت بجذورنا وهويتنا الثقافية ،أي نجدل التراث بثقافة العصر في جديلة ، ووشيجة واحدة ، لنؤكد بذلك وحدة الحضارة الإنسانية، ليعطي زكي نجيب محمود الأولوية للنهوض لأمته فكانت كتابته إجابات لأسئلة ملحة، ودواء لعلل اجتماعية، فاستحق من أجل ذلك من وجهة نظري البسيطة، أن يكون في المقدمة.
أما شوقي ضيف الذي حل في المرتبة الثانية فهو من وجهة نظري تلميذ طه حسين النجيب في نظرته لتراثنا الأدبي فقام بدراسة: التراث وترتيبه وتقييمه من جديد بناء على مذاهب النقد الحديثة ,في كل ما قدم من دراسات أدبية تناول فيها تراثنا الأدبي ، وخاصة في موسوعته “تاريخ الادب العربي” التي أرخ فيها بجانب الأدب للسياسة والمجتمع، ليصبح تراثنا بعد قراءة شوقي ضيف له سهل التناول بعد أن كان ركاما غامضا مضطربا في أغلبه، به حقب تاريخية شبه منسية مغيبة في بطن التاريخ ،ليست واضحة بما يكفي فألقى عليها الضوء ورتبها، والنتيجة التي خلصت إليها هي أن نظرتنا للتراث تبدلت بصورة إيجابية بعد أن تناوله شوقي ضيف بالدراسة، ولهذا السبب حل ثانياً بعد: زكي نجيب محمود.
ليس معنى حصول عبد الرحمن بدوي على” المركز الثالث أنه أقلهم : فهما, أو عمقا, في تناول القضايا الفكرية, أو في ما حصله من ثقافة، بل أعتقد جازماً أنه الأكثر هضما للتراث البشري بأكمله، والتجول بداخل الحضارات، والقبض على رحيقها، والتوغل في، فكرها الفلسفي على مر العصور، وتتبع لرحلة العقل البشري ، ولتطوره عبر مراحل التاريخ حتى استحال لما عليه الآن، فإذا كان شوقي ضيف قد أعاد ترتيب التراث ودراسته على ضوء المذاهب النقدية الحديثة فهو بذلك عالج، خلل وناقش قضية ثقافية ملحة ليعيد لتراث أمته ما يستحقه، فهو هنا لم يبتعد عن الواقع، فقد مس قضية التراث الذي نمارسه طقوسا يومية، أو هو يعيش هو من خلالنا، ونستمد منه تصوراتنا عن الحياة والكون . واذا كان زكي نجيب محمود أعاد دراسة تراثنا الفكري فهو قد ابتعد بذلك عن الواقع درجة لسماء التجريد لأنه ينقد فكرا مجرداً، تكون نتيجة نقده تنظيرا يعتقد أنه يساهم فى حداثة عربية إسلامية أما عبد الرحمن بدوي فلم يناقش الواقع ولم ينقد فكرا، ولكنه ذهب بعيدا ، محلقا، معجبا بعقله ليناقش تراث البشرية المجرد بكامله ويسبح بداخله يسكن بداخل عبد الرحمن بدوي فيلسوف صاحب مذهب كان يعتقد ويتمنى أن يكونه ،ويظن أيضاً أنه: لا يقل عن: أرسطو أو اسبينوزا، أو هيجل ولكن حظه السيئ أنه جاء متأخرا عندما فتتت العلوم و المعارف, ولم يبق للفيلسوف بعد التخصص فرصة للتربع على عرش مذهب يشيده كما فعل أفلاطون وديكارت وهيجل..
تغطية مستمرة على مدار الساعة من منصة “غرد بالمصري”:
تابع أحدث الأخبار والتقارير في جميع الأقسام:
