مئوية رائد المسرح المدرسى الذى لا يعرفه كثيرون
محمود مراد.. أول من أدخل الموسيقى والمسرح فى المقررات الدراسية
الذكرى المئوية
مرت منذ أيام الذكرى المئوية لوفاة رائد المسرح المدرسى محمود مراد؛ إذ توفى فى 29 نوفمبر عام 1925 عن عمر ناهز السابعة والثلاثين فى بعض الأقوال، تاركا وراءه إرثا فنيا ضخما. لكن هذا الإرث ظل مغمورا وطواه النسيان.
فنان متعدد المواهب
بمطالعة كتاب الدكتور سيد على إسماعيل «محمود مراد – رائد المسرح المدرسى»، يدرك المرء أنه أمام فنان متعدد المواهب، فهو فى الأصل مدرس للجغرافيا بـ «المدرسة الخديوية»، حتى إن الزركلى فى كتابه «الأعلام» وصفه بأنه جغرافى قصصى مصرى. كما ترجم واقتبس وألَّف الروايات لإعلاء شأن الفن فى مصر، وهو أول من أدخل المسرح والموسيقى ضمن المقررات الدراسية فى المدارس الحكومية المصرية.
علاقته بتلاميذه
والأهم، أنه كان صديقا لتلاميذه، لم يكن ليبخل عليهم بالنصح والإرشاد والتوجيه فأحبوه وأنصفوه بعد موته، كما برع فى نظم الموسيقى التصويرية وكتب بعض النوت الموسيقية. ودرس التنويم المغناطيسى درسا وافيا، فلم يعتمد على الدجل والخرافات، بل سلك فيه طريق العلم حتى إنه أوشك أن يحوز فيه الدكتوراه من «مونبلييه» الفرنسية برسالة قدمها لكنه لم يناقشها لكثرة مشاغله. كما عمد إلى تعلم فن الإضاءة المسرحية، وألف عدة كتب فى مجال الجغرافيا والاستكشافات، ومنها: «تقويم البلدان»، و«الاستكشافات الجغرافية فى 4000 سنة» محلى بنحو مائة صورة وخريطة. وترجم كتاب «اعترافات آكل الأفيون». وقال عنه حسين فوزى الملقب بـ «السندباد المصرى»: «إن الأستاذ محمود مراد هو أول من اقترح إنشاء مصلحة الفنون ومدرسة أو كونسرفتوار للموسيقى والتمثيل».
النشأة والتعليم
ولد محمود مراد فى أواخر يونيو عام 1888 بـ«منيا القمح» فى «محافظة الشرقية»، لكن الزركلى يذكر بأنه ولد عام 1891. أدخله والده مدرسة أولية، ثم انضم إلى «مدرسة عباس الابتدائية»، ونال الشهادة عام 1904، وتلقى علومه الثانوية فى «مدرسة التوفيقية» ومكث بها عامين. حاز شهادة البكالوريا عام 1908، والتحق بـ «مدرسة المعلمين العليا»، ونال إجازة التدريس عام 1911. عمل مدرسا بعدة مدارس إلى أن استقر بـ «المدرسة الخديوية الثانوية».
البعثات والوظائف
ولشغفه بالتمثيل والموسيقى، أرسلته «وزارة المعارف» فى 25 مايو 1923 فى بعثة الفنون الجميلة لزيارة المسارح الأوروبية، وأُرسل مرة أخرى عام 1924، ونال شهادة الإلقاء من الجامعة الملكية للتمثيل بلندن. عقب عودته إلى مصر، اختارته «وزارة المعارف» لشغل وظيفة المشرف والمفتش على الأنشطة الموسيقية والمسرحية بمدارسها، ثم انتدبته وزارة الأشغال فى التفتيش على مسرحها. أسهم فى تأسيس عدة جمعيات، فكان رئيسا للجمعية الموسيقية عام 1918. أصيب بداء النقرس أو ما يعرف بداء الملوك وتوفى فى 29 نوفمبر 1925، تاركا وراءه خمسة أطفال صغار وأمًّا بُترت ساقها وحوالى 18 رواية مؤلفة ومترجمة.
المسرح المدرسى
يذكر الدكتور سيد على إسماعيل أن علاقة محمود مراد بالمسرح المدرسى بدأت عندما مثَّل مع ابنته رواية «قصة مدينتين» لتشارلز ديكنز، ولأنه وجد التشجيع من المستر «فرانس» ناظر «المدرسة الخديوية»، كتب الروايات التمثيلية والموسيقية لطلبة المدرسة؛ وأقام حفلات عدة، وأكد مراد أن هذه الحفلات المدرسية صرفت الطلاب عن الذهاب إلى دور التمثيل الخليع، وقوَّت ملكة الحفظ والاستنتاج والملاحظة، وساعدتهم على تحسين أسلوبهم الكتابى وإصلاح مخارج ألفاظهم.
ويحسب لمحمود مراد أنه أول أستاذ أنشأ فى مدرسته فرقة تمثيلية من التلاميذ تمثل باللغة العربية، بعد أن كان التمثيل مقصورا على أداء الروايات المقررة على التلاميذ باللغة الإنجليزية، ويخرجها الأساتذة الإنجليز. أقرت وزارة المعارف فى 6 نوفمبر سنة 1922 فرقته المدرسية التى سماها «فرقة التمثيل والموسيقى»، وعرضت الفرقة مسرحية «مجد رمسيس» بدعم من وزارة المعارف. وفى 21 أبريل 1924 قدم «توت عنخ آمون»، وهى أوبرا تاريخية ذات مقدمة وفصلين، ومن تأليفه، ولحنها كل من الموسيقار محمد عبدالوهاب ومحمود رحمى. وقدم، أيضا، مسرحية «فى سبيل المبدأ» مطلع 1925 بمسرح «المدرسة الخديوية»، ومن تأليفه، ومن ثلاثة فصول، ومكتوبة باللهجة العامية.
تلاميذه والمتأثرون به
كما شارك الرجل الذى تتضمن قائمة تلاميذه والمتأثرين به أسماء مثل الأديب يحيى حقي، والمعمارى الموسيقى أبو بكر خيرت، والموسيقار محمد عبد الوهاب، فى لجنة فحص المسرحيات التى تقدمها فرقة يوسف وهبى. وكانت اللجنة تضم أيضا الفنان المسرحى زكى طليمات، وإبراهيم رمزى الروائى المشهور.
الهجوم عليه
ونظرا للنجاح الذى أحرزه، فإن ذلك أوغر صدور أعداء النجاح، فهاجمته جريدة «اللواء المصرى» ومجلة «التمثيل» فى عام 1924، بادعاء تلقى رسالة زعم فيها من يدعى «حسن حلمى» أنه صاحب ألحان روايتى «توت عنخ آمون» و«مجد رمسيس»، لكن تصدى لهذا الزعم كل من محمود رحمى والموسيقار محمد عبدالوهاب، كما تعرض لهجوم شرس فى أثناء عرض مسرحية «شرف الأسرة»، التى مثلتها «فرقة جورج أبيض» فى أكتوبر 1924، وهى مسرحية اقتبسها مراد من المسرحية الألمانية «ماجدا».
كتاب يوثق المسيرة
والسبب وراء تصدى الدكتور سيد على إسماعيل لتقديم كتاب عن محمود مراد وإبراز إنجازه المسرحى والفني، هو لقاؤه بالموسيقار عبدالحميد توفيق زكى عام 1996، الذى رجاه بتأليف كتاب عن رائد المسرح المدرسى المنسى. فما كان من الدكتور سيد إلا أن تعهد بتقديم الكتاب الذى خرج للنور بعد 22 عاما، وتحديدا فى 2018، ليكون وثيقة نادرة على رجل شديد الندرة والتفرد.
تغطية مستمرة على مدار الساعة من منصة “غرد بالمصري”:
تابع أحدث الأخبار والتقارير في جميع الأقسام: