مصر وفلسطين

nagah hegazy
nagah hegazy
حسين السيد

مصر وفلسطين
يصر الرئيس الأمريكى ترامب على إخلاء منطقة غزة من سكانها، وترحيلهم إلى مصر والأردن، وقد رفضت الدولتان هذا الذى دعا إليه ترامب؛ لأسباب عدة منها أن الإخلاء يعنى القضاء تماما على فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، وهذا ما تريده إسرائيل، ألَّا تسمع أو تسمح بوجود دولة فلسطينية، فأبغض كلمة لديها هى “فلسطين”، وتفعل المستحيل من أجل محوها، وتفعل هذا والعرب صامتون لا يتحركون أو ينفعلون، بحجة السلام مع إسرائيل أو أن الأمر بعيد عنها، فمثلا مصر أبرمت معاهدة سلام معها، ومن ثم تخلت عن دورها تجاه القضية، وربما يكون هذا التخلى مؤقتا، وسيأتى يوم وتستفيق من غفلتها. أما بلاد الحجار، أو السعودية حديثا، فمشغولة بموسم الرياض، وما دام الأمر بعيدا عنها، فلا يهمها ما يحدث فى فلسطين. وكذلك الأمر مع الإمارات والبحرين وهما مشغولتان بإبرام الصفقات مع إسرائيل، فكيف تتصديان لإسرائيل؟! بل ندعو الله أن تكونا على الحياد فقط، ولبنان لديه مشكلاته الداخلية التى لا تنتهى، كما أنه أساسا يقف على الحياد مادام الأمر يتعلق بالحرب ضد إسرائيل، أما غير ذلك فأهلا بالعروبة وبأموال العروبة، وسوريا تلملم جراحها بعد سقوط بشار، واليمن منقسم إلى فريقين، فريق مستسلم خانع وفريق ثائر يحارب مع أهل غزة لكن على قدر إمكاناته، أما المغرب الغربى فلديه ما يشغله، فليبيا منقسمة، والمغرب والجزائر يتشاجران على الصحراء الغربية، والسودان يشتعل بالحرب الداخلية، إضافة إلى أنه قد انفصلت عنه جنوب السودان.
من المؤكد أن مصر سترفض رفضا صارما فكرة تهجير أهل غزة إلى سيناء أو إلى أى دولة أخرى. إن حائط الصد الأول الآن لمصر يكمن فى بقاء أهل غزة على أرضهم، فنحن نعلم أن حياة مصر إذا كانت تأتى من الجنوب مع استمرار تدفق نهر النيل فإن الموت يأتى دائما من ناحية الشرق، وأغلب مآسى مصر كانت من الناحية الشرقية، فاستُعْمرت بداية على يد الهكسوس وقد أتوا من الشرق، ولم تسكت مصر على هذا الاحتلال فطردته وتعقبته فى فلسطين ونجحت فى هزيمته النهائية بمعركة “شاروهن”، ومنذ ذلك التاريخ ومصر تتلقى الضربات من ناحية الشرق، وما معركتا حطين وعين جالوت إلا نموذجان على ما قلناه، وحتى فى احتلال إسرائيل لسيناء فى 1956 وبعدها فى نكسة 1967 ما هو إلا امتداد لتلك السلسلة الدامية التى تأتى مصر عن طريق الشرق، فالخطر كل الخطر إذن فى الساحة الشرقية.
إن على مصر أن تدافع باستماتة عن استمرار عيش أهل فلسطين على أرض غزة، وكان عليها أن تقف إلى جوارهم فى محنتهم أو على الأقل أن توقِفَ هذه الحرب. فإذا اُلْتُهِمَتْ غزة فإن الدور القادم سيكون حتما على سيناء، وهنا إسرائيل تكون قد حققت ما أرادت، وهى الدولة التى كانت صغيرة، فهى بالفعل بدأت صغيرة والغلبة كانت للعرب، ثم تمددت وتوسعت إلى أن ابتعلت النسبة الكبرى من مساحة فلسطين حاليا، إنها أشبه بكرة الثلج تبدأ صغيرة ثم تنتهى كبيرة تدمر كل شىء يقف أمامها. هكذا إسرائيل، مع كل مدة من الزمن تتوسع تدريجيا إلى أن تصبح هى المسيطر على مقدرات الشرق العربى أو الشرق الأوسط بالتعبير الحديث.
عندما استوعبت مصر الدرس مبكرا استطاعت أن تحافظ على نفسها وعلى الأمة العربية، وهو أن الحروب لا بد أن تدور على أرض العدو، أو بالأحرى التى احتلتها، أى ليس على أرضها، وهنا النصر حليف لها فى الغالب، وهو ما أكده جمال حمدان فى كتابه “شخصية مصر”، فمثلا صلاح الدين خرج بجيوشه لملاقاة الصليبيين فى أرض حطين، أى خارج مصر، وكذلك خرج قطز وبيبرس إلى عين جالوت لملاقاة جيوش المغول، وهذا لأن المعركة، كما قلنا، إذا دارت على أرض الوطن فإن الغلبة للمعتدِى، وكذلك فإن إسرائيل احتلت سيناء والضفة الغربية والجولان لأن المعارك على أراضى العرب، فيما لو دارت المعركة فى تل أبيب فإن الوضع سيختلف تماما، ولاحظنا مدى هشاشة الأمن الإسرائيلى عندما قام بضعة أفراد من غزة فى السابع من أكتوبر بدخول إسرائيل، وأسروا عشرات الإسرائيليين، فالأمر ليس مستحيلا، وإذا كان مستحيلا، فماذا كان يفعل المصريون أيام قطز وبيبرس وهما مملوكيان؟! لو سلموا واستسلموا للمغول لانتهت الدولة الإسلامية ولتغير شكل العالم كله، لكن الفضل فى الحفاظ على الدولة الإسلامية إنما يعود للجيش المصرى بقيادة قطز وبيبرس.
من ثم، فإن مصر سترفض فكرة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة سواء إليها أو إلى دول أخرى، لأنها إن وافقت على إخلاء القطاع فإن الدور سيكون عليها، وإذا اعترض بعض المحللين بحجة السلام المبرم بيننا، فإنه واهمٌ فى اعتراضه، صحيح أنها ستتجنبنا لكن لن تتجنب الدول المجاورة الأخرى، وبعد الانتهاء منها أو الفراغ من التهام هذه الدول يأتى الدور على مصر، وساعتها ستكون إسرائيل دولة غير الدولة التى نعرفها من حيث المساحة أو عدد السكان أو بما تمتلكه من أسلحة، فالمهم عندها حاليا تحييد مصر إلى أطول فترة ممكنة إلى أن تتفرغ لها وتفترسها.
ولا أجد أفضل من الارتباط المصيرى بين مصر وفلسطين أو الشام عموما مما كتبه جمال حمدان فى “شخصية مصر”:”إننا نجد بلا استثناء أن كل خطر خارجى يهدد الشام، يهدد مصر تلقائيا وعلى الفور، بل نكاد نقول إن مصير مصر مرتبط عضويا، تاريخيا وجغرافيا، بمصير الشام عموما وبالأخص منه فلسطين… إن الذى يسيطر على الشام يهدد مصر استراتيجيا بمثل ما يهددها هيدرولوجيا من يسيطر على السودان. ولذلك فليس من قبيل الصدفة قط أن معظم معارك مصر الحربية الفاصلة، سواء منها المنتصر أو المنهزم، إنما درات على أرض الشام وفى ربوعه حسمت، ومعها حسم مصير مصر، يصدق هذا ابتداء من شاروهن الهكسوس، وقادش تحتمس، إلى قرقميش البابليين، وحطين صلاح الدين، وعين جالوت قطز، حتى مرج دابق الغورى، وحمص ونصيبيين محمد على..”، ليقرر جمال حمدان فى النهاية أن “من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول”.                                                                                                                                    بقلم: حسين السيد

Share This Article
اترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!