“تجربة روحية “

“تجربة روحية ”

بقلم.ابراهيم الديب

تجربة روحية ”

خريف عام ٢٠٠١ وتوقيت أذان الفجر للملكة العربية السعودية توقف الاتوبيس القادم من الاردن في نفس اللحظة أمام الفندق التي تطل شرفته على المسجد النبوي الشريف، نزلنا من الاتوبيس على عجل لنتمكن من أداء فريضة صلاة الفجر جماعة ،اشتريت جلبابا أبيض قبل صعودي للغرفة ألقيت حاجياتي في بهو الفندق ودخلت دورة مياه و خرجت من ملابسي، ثم اغتسلت ودخلت في الجلباب الفضفاض وانطلقت للمسجد مسرعاً ، أما الذي سيطر على تفكيري أثناء قطعي المسافة القصيرة التي تفصل بين الفندق والحرم النبوي الشريف والتي لا تتعدى المائتي متر، هو صوت الإمام الذي يؤم المصلين كأني سمعته قبل ذلك ولكن من هو ومتي لا أتذكر جيداً، احاول نسيان الأمر ولكني لا استطيع نعم أنا على يقين من ذلك ثم أقسمت بيني وبين نفسي أنني سمعته كثيراً، اقتربت من باب الحرم ودخلت في الركعة الثانية من الصلاة ولم تتبدد حيرتي بعد بشأن الامام انتهيت من الركعة الثانية منفردا وسلمت ،ثم قمت مباشرةً بسؤال من على يميني الذي تخيلت أن يكون افريقيا ولكنه أخبرني أنه من بنجلادش بعد أن قال لي أن الإمام الذي صلي بالناس هو الشيخ الحذيفي وهو أحب الأصوات التي استمتعت منها القرآن بعد الشيخ محمود الحصري .

ازدادت دهشتي عن قبل فأنا كنت اقع تحت فكرة مفادها أن الشيخ الحذيفي متوفي وهذه الفكرة عن الرجل الذي يجلس أمامي الآن في محراب المسجد لا أعرف مصدرها ،ولكنها استقرت في نفسي وكانت من المسلمات فنهضت واتجهت إليه وأنا كلي شعور بالأسف لأني قتلته بيني وبين نفسي وانهيت حياته وهو حي يرزق .. فصافحته هاشا باشا في وجهه وفعل هو مثل ذلك وأكثر ولم يفتني أن أتمنى له: مزيدا من الصحة والسعادة تكفيرا عن ذنبي تجاه الرجل باعتقادي موته غير المقصود.

ثم هممت بالخروج من الحرم ولكني شاهدت صفا طويلا من الناس ومجموعة من أفراد الشرطة ينظمونهم وهناك عملية تتم في هدوء شديد من الدخول والخروج هذا المكان، فاقتربت منهم استطلع الأمر، وعرفت أنها الروضة الشريفة وأن الشرطة السعودية هي من تتولى هذه العملية حفاظاً على قداسة المكان وساكنه عليه أفضل الصلاة والسلام، وأصبحت بداخل الصف دون شعور أني فعلت وبعدها كنت بداخل الروضة الشريفة ، كأني انتقلت من دنيا الناس ومن صراع البشر لعالم آخر لا يمت لتجربتي المعاشة بصلة ،ثم شعور وإحساس في نفس اللحظة بسلام شديد، وسعادة داخلية لم اعهدها من قبل ذلك في حياتي السابقة، ما كل هذا الهدوء من أين يتسلل النور لعقلي ونفسي ووجداني ما هذا الفرح الوقور الذي يسكنني ، من أين يأتي وبأي قانون تصل لأعماقي كل هذه الرسائل المطمئنة..احساس وشعور تعجز حصيلتي اللغوية والبلاغية التعبير عنه. هل هذا المكان الشريف والبقعة من الأرض لا تسري عليها نواميس حياتنا التي نعيشها في الخارج ، ربما لا أعرف وخرجت من المسجد وأنا شبه مخدر بحقنة روحانية شديدة المفعول، كنت أجر جلبابي الذي اتعثر به و لم اكتشف أنه كبير المقاس و فضفاض بنسبة كبيرة، واكتشفت أنني كنت اتمشى بداخله ولم انتبه لذلك إلا أخيرا، وانه يسع معي شخصا آخر ،قالها لي زميلي في الغرفة بعد عودتي للفندق..

“تجربة روحية “

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!