جماعة تكوين والحشيش
بقلم.حسين السيد
فى كتاب “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار” لتقى الدين المقريزى فصل لطيف عن أصل القُنَّب، وهو المادة المخدرة المعروفة حاليا باسم الحشيش، وكان الحشيش منتشرا بين الفقراء فى القرن السابع الهجرى، وأوضح المقريزى أن سبب انتشاره كان عن طريق الصوفية، فذكر أن هناك كتابا اسمه “السوانح الأدبية فى مدائح القُنَّبية” للحسن بن محمد، وزعم الحسن أن سبب وصول الحشيش إلى الفقراء هو أن شيخ الشيوخ حيدرا كان كثير الرياضة والمجاهدة قليل الاستعمال للغذاء، وكان يسكن الجبل مدة عشر سنوات مع مجموعة من الفقراء بصحبته، فاتفق أن طلع ذات يوم وقد اشتد الحر وقت القائلة منفردا بنفسه إلى الصحراء، ثم عاد وقد علا وجهه نشاط وسرور بخلاف ما كان يعهده متابعوه، فسألوه عن السبب وراء هذا النشاط، فقال: بينما أنا فى خلوتى إذ خطر ببالى الخروج إلى الصحراء منفردا، فخرجت فوجدت كل شىء من النبات ساكنا لا يتحرك لعدم الريح وشدة القيظ ومررت بنبات له ورق. فرأيته فى تلك الحال يميس بلطف ويتحرك فى غير عنف كالنمل النشوان، فجعلت أقطف منه أوراقا وآكلها فحدث عندى من الارتياح ما شاهدتموه. وأمر أتباعه ليوقفهم عليه ويعرفوا شكله، ثم أخذوا منه ورقا وأكلوه فحدث لهم ما حدث لهم من انبساط وانشراح وسرور وحبور، وطالبهم بألا يخبروا أحدا من عوام الناس، كما أوصاهم بعدم إخفائه عن الفقراء.
وألقى الأيب محمد بن على بن الأعمى الدمشقى قصيدة فى الحشيش ونسبه إلى الشيخ حيدر، فقال فى أول القصيدة:
دع الخمر وشرب من مدامة حيدر
معنبرة خضراء مثل الزبرجد
وفيها يقول:
هى البكر لم تنكح بماء سحابة
ولا عصرت يوما برجْلٍ ولا يد
ولا عبث القسيس بكأسها
ولا قربوا من دنها كل مقعد
ولا نص فى تحريمها عند مالك
ولا حد عند الشافعى وأحمد
ولا أثبت النعمان تنجيس عينها
فخذها بحد المشرفى المهند
وقطب الدين حيدر الذى ينسب إليه ذيوع الحشيش هو صاحب الطريقة الحيدرية، ولد بشمال إيران، وتوفى سنة 617هـ، وأولع بحب التجوال، وعاش فى عزلة شديدة فوق قمم الجبال، ومن سمات هذه الطريقة أن يحلق أتباعها لحاهم ويبقون شواربهم، وكل واحد مخلوع الثنية العليا، وكان منظرهم بشعا، وحين سئل واحد من هذه الطريقة عن السبب فى بشاعة منظرهم، قال: حتى يكونوا سخرية للفقراء. واتخذوا من الحديد شعارا يعرفون به، وكانوا يميلون إلى الشيعة، فزعموا أن طريق الإمام على رضى الله عنه هو الطريق الوحيد المفضى إلى الله.
وذهب الإمام بدر الدين الزركشى إلى أن الحشيش اكتشف فى العالم الإسلامى على يد رجلين، أحدهما قطب الدين الحيدرى.
وهناك سبب آخر ذكره المقريزى لاستخدام الصوفية الحشيش بالإضافة إلى الترويح عن النفس وحالة الانبساط التى تعترى من يستعمله، فذكروا أنهم ما استعملوه إلا لتجفيف المنى، وفى شربه قطع لشهوة الجماع كى لا تميل نفوسهم إلى ما يوقع فى الزنا.
وعدَّد المقريزى فوائد الحشيش، وقال إنه قرأ أن جالينوس كان يقول: إن الحشيش يبرئ من التخمة، كما أنه جيد للهضم، ويطرد البلغم ويدر البول ويطرد الحيات. وقال المقريزى أيضا: ولم أجد لإزالة الزفر من اليد أبلغ من غسلها بالحشيش. ويعرف القنب أيضا باسم ورق الشهدانج، ومنه أنواع.
والحق أن الشيخ قطب الدين الحيدرى لم يأكل الحشيش فى عمره ألبته، ولم يكن أول من استعمله وأذاعه بين الناس إطلاقا، فهو كان معروفا عند اليونانيين، إنما نسبوها إليه لأن أتباعه تعاطوها فنسبت إليه وهو منهم براء.
وحذر منها الشيخ تقى الدين المقريزى فى كتابه سالف الذكر، مبينا خطورتها على المجتمع الإسلامى، وكيف أن الحكام كانوا يعاقبون من يتعاطاها بأشد العقاب، فكان الأمير “سودون الشيخونى” يتتبع مواضع زرع الحشيش لإتلافه، ويقبض على من كان يبتلعها من أطراف الناس، وعاقب على فعلها بقلع الأضراس، ولهذا فقد اقتلع أضراس كثير من العامة سنة 780 هـ.
وللعقاد مقالة عن الحشيش بعنوان “هل يباح الحشيش” نشرها فى مجلة الهلال فى أول يوليو 1952 أى قبل ثورة يوليو المجيدة بشهر واحد، واستشهد فى مقالته كثيرا بما دونه المقريزى عن الحشيش، وهى مقالة طريفة فليرجع إليها من شاء.
وجماعة “تكوين” قد تستشهد بهذه الأبيات التى أنشدناها للتدليل على أن الحشيش مباح وحلال ولا إثم ولا حرج على من يتعاطاه عملا بقول الشاعر:
ولا نص فى تحريمها عند مالك
ولا حد عند الشافعى وأحمد
ولا أثبت النعمان تنجيس عينها
فالحذر كل الحذر مما يقال فى الأيام المقبلة، وإياك أن تلتفت إلى مثل هذا الهراء.