“مفاتيح السعادة الزوجية .. من مفهوم علمي “

دكتور صالح وهبة

ً “مفاتيح السعادة الزوجية .. من مفهوم علمي”

بقلم د .صالح وهبة

لا شك أن التخالف بين الأزواج يجعل البيوت جحيم والتوافق والتألف يحولها جنة ونعيم .

ولكن قبل الانخراط في موضوع الحياة الزوجية يجب أن يكون لدينا مفهوم عن معنى كلمة “زواج”

الزواج .. هو إخلاء الذات لإشباع آخر،
وعطاء بدون مقابل…….فعندما يصل أحدهم للنضوج (maturity) يرتبط للبحث عن سعادة آخر ..

نأخذ تشبيه للتوضيح ….
“الشجرة والتفاحة “
التفاحة الخضراء تأخذ العصارة التي تتغذى عليها من الشجرة فتنمو رويدًا رويدًا حتي تستوي وتنضح ويحمر لونها وتلفت الأنظار وتبدو كعروسة جاهزة للزفة،

بعدها تترك الشجرة فتقع على الأرض بفعل الجاذبية لتجد من يأكلها ويستلذ لطعمها وتقع منه بذرتان على الأرض فتبنت لنا شجرتان جميلتان ، وهذه هي دورة الحياة العجيبة،
واللافت للنظر .. لو كانت هذه التفاحة غير ناضجة ، فمن يأكلها يشعر بمرارتها ويلفظها.

هذا هو مفهوم النضوج في التفاحة ، عندما نضجت أصبحت مستقلة “independent “ لم تفكر في ذاتها بل مستعدة تضحي وتبذل نفسها من أجل إسعاد الآخر،

مستعدة تؤكل وتختفي من أجل أن يستلذ بطعمها آخر وفي هذه الأثناء تصبح في قمة السعادة (سعادتها في سعادة الآخر) .

وهذا يذكرني بمفهوم “السعادة” وهو الشيء الوحيد الذي يتعارض مع قوانين الرياضيات ، فكلما قسمتها على الآخرين ، تضاعفت سعادتك .
وهذا ما حدث بالفعل للتفاحة .

فالزواج الحقيقي هو لحظة ما يكون الإنسان ناضج (mature) لا يفكر في نفسه مثل ما كان عليه قبل النضوج بل يبحث عن سعادة الأخر .

وتكون أجمل لحظات حياته عندما يرى الابتسامة تتراقص على ملامح زوجته ويري صورته في عينيها كذلك الزوجة الناجحة تكون في قمة سعادتها عندما تسعد زوجها وتفرح أولادها .
ولكن !!!

هذا يتطلب نوع من الجهاد المستمر ..نوع خاص من ضبط النفس ..والحكيم يقول حاكم نفسه خير من حاكم مدينة..

فلا يطلق لنفسه العنان للانخراط في الشهوات واللذات (أكل وشرب ولهو ) فالنفس البشرية كالحصان الثائر ، تحتاج لجام في يد صاحبها ليتحكم فيها ويضبطها لئلا تكعبله نزواته وتسيطر عليه ويكون عبدا وأسيرًا لها

والجدير بالذكر …
يوجد في مخ الانسان فص جبهي أمامي(خاص بالتعقل) ويسمى “frontal lobe” وهذا ما يميزه عن الحيوان وفص خلفي خاص بالشهوات واللذات ..

والانسان السوي نفسيا والضابط نفسه هو الذي ينجح في فرملة الشهوات التي تتصدر له من الفص الخلفي ويعمل لها control وضبط من خلال الفص الجبهي الأمامي حتى يحدث اتزان بين عواطفه وعقله ،

فيكون صاحب قرار ، من خلال قيامه بتشغيل وتدريب الفص الجبهي الخاص بالتعقل

والملاحظ …
اجريت دراسات على مجموعة من الأشخاص المدمنين ،
فوجدوا ال frontal lobe عندهم خالي من الكهربا وهذه المنطقة بدأت تضمر وكادت أدمغتهم تكون أشبه بأدمغة الحيوانات لعدم استخدامها،

(فلا يوجد فرامل وضبط لأنفسهم)
ووجدوهم من السهل إثارتهم ومن يقترب منهم يجد عندهم رد فعل سريع وطائش ..

نفس الدراسة أجريت على مجموعة من المتدينين ، وجدوا ال frontal lobe ملتهبة كهربا لأنها شغالة،

هؤلاء عندما تتصدرهم فكرة واردة من الفص الخلفي الخاص بالغرائز ووالشهوات حالا يستلمها الفص الجبهي الخاص بالتعقل ويعمل لها ضبط ويقول: ( هل أمنعها أو أنفذها ؟ ) ويعمل اتزان وضبط لهذه المعركة .

هذا هو الزوج الناجح الذي لا يكون أسيرا لرغباته وشهواته بل يلجمها ويخضعها له بعد ضبطها وفلترتها في عقله ..

وبعد هذا العرض وجب علينا تقديم وجبة صحية وشهية تذيب كولسترول الخلافات وتمتعنا بحياة زوجية سعيدة ومن أهم عناصرها :

(١) ضبط الفكر
لا تجعل الأفكار السلبية تتسلل داخل عقلك ويتغلب الفص الخلفي على الفصل الجبهي كما ذكرنا .
لا تجعل نفسك مصيدة للفكر السلبي وتألفه وتتعايش معه وتجعله يعشعش في دماغك .

راقب أفكارك فإنها ستصبح كلمات ، راقب كلماتك فإنها ستصبح أفعال ، راقب أفعالك فإنها ستصبح عادات ، راقب عاداتك فإنها ستصبح طباع ، راقب طباعك لأنها ستحدد مصيرك.

(٢) ضبط اللسان
قل لا عند اللزوم ، زن الكلمة قبل أن تنطقها ، والحكيم يقول : الكلمة التي تقال علاج للكلمة التي لا تقال، مرض !!!
“اجعل يارب حارسا لفمي وبابًا حصينا لشفتي”

(٣) ضبط الشهوات
في زمن الميديا أصبح كل شيء متاح ، بلمسة واحدة على الموبايل يظهر لك كل ما تحتاجه من أكل وشرب ولبس ولهو ، إن لم تضبط نفسك نضبطك الأيام ، حتى في الشهوات الجسدية والجنسية ،

وفي هذا الصدد ، علماء النفس يقولون: يوجد ثلاث صفات في الحروب الشهوانية كل منها تبدأ بحرف ال “a” وهي :
accessibility وتعني سهلة وفي متناول الجميع
affordability وتعني غير مكلفة
anonymity وتعني لا أحد يراك
الشيطان أتاح كل شيء على الجاهز ، فإذا لم تدرب نفسك على ضبط النفس فما أسهل الوقع في المصيدة .

وخاب من يقولون (احنا غصب عننا ) ..نرد عليه : شيوع الشر لا يعطي للشر شرعيته.

(٤) الموبايل
يجب مراقبة الموبايل لابنك ووضع قواعد لاستخدامه ..
أكيد في هذا الزمن الغريب فقد معظم الآباء السيطرة على أبنائهم في استخدام الموبايل وهذا راجع للآتي:

(الأب يتمدد على السرير وماسك الموبايل وتملي يعمل scrolling). يقلب بأصبعه على داتا قد تكون مهمة بالنسبة له ولكن الابن عنده عذر (فيحاول يقلد أباه)

وعندما يطلب الأب من ابنه شيء يخص استخدام الموبايل لا يسمع ولا يطيع
لأن “فاقد الشيء لا يعطيه”

آيها الآباء والأمهات :
كونوا قدوة حسنة لأبنائكم ، ابدأوا بأنفسكم ، حتى تكونوا قادرين على وضع قواعد للأبناء لاستخدام هذا العدو اللدود،
فمثلًا ممنوع يستضيف الولد أو البنت الموبايل طوال الليل (سهران مع الموبايل الليل كله).

لا تتركوا لأبنائكم الحبل على الغارب في استخدام الموبايل ، بذلك تجنوا عليهم ،
وكأنك تقول لابنك : ( روح القرية اللى جنبنا وتعالى آخر النهار) ..فيرجع لك مبهدل ومسروق ومجروح ومعتدى عليه..

ما بالك وهو مع الموبايل لا يلف قرية فحسب ، إنما يلف العالم كله !!!
فماذا تتوقع من ابنك بعد ذلك ؟!!!!!

انتباه !!!!
الزواج مثل المائدة التي ترتكز على أربع أرجل
الأولى.. الحب وهي المادة التي يصنع منها غذاء السعادة الزوجية.

الثانية ..الاهتمام وهي المادة الحافظة للحب (للسعادة الزوجية).

الثالثة…الاحترام.. هي المكسبات التي تضفي عليها رائحة ذكية ..
( زواج بدون احترام ، محكوم عليه بالإعدام )

الرابعة ..الاحتمال وهي البهارات التي تكسبها مذاقا شهيا والصمود لتخطي العقبات بفرح .

لكن إذا اختلت أحد الأرجل، اهتزت واهتز ماعليها وتصادم وسقط على الأرض ليصطدم بما تبقى !!

الهدف من الزواج..
زرع صحراء وتعميرها وتهذيبها حتى لا تنمو مع الزراعة حشائش ضارة تعلق بها وتخنقها

النهاية
عند اختيار شريك الحياة لا تجعل الفص الخلفي من المخ (الخاص بالشهوات والنزوات) .. هو المسيطر .
صحيح توجد حاجة اسمها “كيميا” (حب وانبهار واعجاب من أول نظرة )
،
لكن لا تجعل هذا يسيطر على الفص الجبهي”الأمامي “من مخك (الخاص بالتعقل ) فهناك أمور تستوجب وقفة من العقل مثل :

فارق السن والمستوى المادي والاجتماعي والثقافي والتعليمي .

فالحزء الخاص بالكيميا والقبول من أول لحظة، أشبه بالمفتاح الذي يدير السيارة لكنه لا يحركها خطوة إلى الأمام ،

لكن الجزء العقلاني هو الوقود الذي يعطي لها انطلاقة ويجعلها تسير في الاتجاه الصحيح ضد مطبات الحياة.

صحيح القبول لا بد منه لكن لا نجعله على حساب العقل ..

ربنا يعطينا نعمة الاتزان بين عواطفنا وعقولنا حتى تسير سفينة حياتنا بسلام وتصل إلى بر الأمان

Share This Article
اترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!