“الكوبري العائم.. حلم تحقق في 40 دقيقة بقيادة الأبطال، تحت نيران العدو، ومعهم محمد حجازي.. شريان النصر الذي عبرت عليه الدبابات والعتاد إلى سيناء”
في زقاق ضيق يتنفس عبق التاريخ بحي باب شرقي بالإسكندرية، وُلد محمد السيد حجازي في الأول من أكتوبر عام 1953. لم يكن يعلم أن قدميه الصغيرتين ستسيران يومًا على جسر من نار، نحو المجد والخلود، ليصبح أحد أبطال ملحمة العبور في السادس من أكتوبر 1973.
نشأ محمد في حي الإبراهيمية، وكان الابن الأكبر لأسرته بعد شقيقة تكبره وأخ وأخت يصغرانه. فقد والده في حادث مأساوي على طريق مصر الصحراوي وهو لا يزال في المرحلة الأساسية من التعليم، ليكمل حياته يتيم الأب، ويتحمل مسؤولية أسرته مبكرًا. حصل على الشهادة الإعدادية، ثم التحق بالثانوي الصناعي قسم كهرباء، وتم تعيينه بمستشفيات جامعة الإسكندرية عام 1972 تكريمًا لوالده الراحل.
ورغم كونه العائل الوحيد لأسرته، لم يتردد محمد في تلبية نداء الوطن. التحق بالخدمة العسكرية في يونيو 1973، وكان حينها أصغر مجند بسلاح المهندسين، بعمر 19 عامًا فقط. بعد تدريب مكثف في مركز بني يوسف بالهرم، انضم إلى كتيبة الكباري 64، التي تحولت لاحقًا إلى الكتيبة 114 ضمن اللواء 109، ثم 199.
سلاح المهندسين… جسور النصر
في معسكر وادي حوف، وتحت جنح الليل، تدرب محمد وزملاؤه على بناء الكباري العائمة الخفيفة، تلك الجسور التي ستصبح شرايين العبور إلى سيناء. تدريباتهم كانت سرية، تُنفذ عند الفجر أو بعد الغروب، بعيدًا عن أعين العدو، حتى أتقنوا تركيب الكوبري في نصف ساعة فقط، بفضل عبقرية اللواء الشهيد أحمد حمدي.
وفي السادس من أكتوبر، عند الثانية ظهرًا، انطلقت 220 طائرة مصرية تدك مواقع العدو، بينما المدفعية تمطر خط القناة بنيرانها. وسط هذا الزلزال، اندفع محمد عبر البرمائيات والقوارب المطاطية، متسلقًا الساتر الترابي الشاهق بسلالم الحبال، متحديًا تيارات القناة العاتية التي جرفت بعض الأبطال.
وفي تمام الثامنة مساءً، تحقق الحلم: أقاموا الكوبري العائم في 40 دقيقة فقط، باستخدام 4 لنشات و21 برطومًا، بقيادة البطل حمدي السباعي. عبرت الدبابات والعتاد إلى سيناء، رغم قصف مدافع “أبو جاموس” الإسرائيلية 155 ملم، التي حاولت عبثًا إيقاف الزحف المصري.
من وادي حوف إلى الدفرسوار
لكن المعارك لم تهدأ. في فجر السابع من أكتوبر، واجهوا مشكلة في الرواسب، ففكوا برطومًا وأعادوا تركيبه بسرعة مذهلة. وفي لحظة مأساوية، استشهد اللواء أحمد حمدي أثناء إصلاحه لعطل، لتبقى روحه حاضرة في كل جسر يُبنى.
وعندما فتحت إسرائيل ثغرة الدفرسوار، واجه محمد وزملاؤه هجومًا شرسًا بالهليكوبترات والقنابل. اختبأ في حفرة رملية، يراقب دبابات صغيرة يقودها جنود العدو، بينما الشظايا تملأ الهواء. تلقوا أوامر بالتراجع المؤقت، ثم عادوا تحت قيادة المقدم حسين شاور، بعد إصابة قائدهم منتصر.
رغم الحصار والمعارك، صمد الأبطال، نظفوا الساتر الرملي من الألغام، وأعادوا ترتيب الصفوف عند الكيلو 101. وبعد انتهاء العمليات، عاد محمد إلى وحدته في الجيش الثالث الميداني، حيث عمل في رسم الخرائط البحرية بدقة متناهية، وكتابة الأوامر وشهادات نهاية خدمة الأبطال.
ذاكرة لا تموت
وسط هذا العطاء، ضرب الحزن قلبه مرة أخرى، فقد والدته أثناء خدمته العسكرية، ليصبح يتيم الأب والأم، لكنه ظل صلبًا كالصخر، مخلصًا لمصر، حاملًا في قلبه ذاكرة النصر، وروح الكباري التي عبرت الوطن إلى المجد.
وفي حديقة الشهداء بمحافظة السويس، حيث تقف دبابات العدو المدمرة شاهدة على بطولات رجال القوات المسلحة، وقف محمد حجازي رافعًا رأسه، يروي أسرار المعركة بفخر، مؤكدًا أن سلاح المهندسين كان همزة الوصل لعبور القوات إلى شرق القناة، وأن لحظة الطيران المصري وهو يعبر القناة كانت أسعد لحظات حياته.
دعوة للتاريخ
ويختتم البطل حديثه بنداء صادق:
“يجب أن تُدرّس بطولات أكتوبر في المدارس، ليعرف أبناؤنا كيف صُنعت الكرامة، وكيف استُعيدت الأرض بدماء رجال لا يُنسون.”
اقتباسات من البطل محمد حجازي:
– “كنت أصغر مجند في سلاح المهندسين، لكن قلبي كان أكبر من الخوف.”
– “لم أبخل على وطني بخدمتي، رغم أنني كنت العائل الوحيد لأسرتي.”
– “لحظة عبور الطائرات المصرية القناة كانت أسعد لحظة في حياتي.”
– “كنا خلية نحل لا تهدأ… نصبنا الكوبري في 40 دقيقة وسط القصف.”
– “استشهد اللواء أحمد حمدي أمام أعيننا، لكنه ظل حيًا في أرواحنا.”
– “اختبأت في حفرة رملية أراقب دبابات العدو، لكنني لم أرتجف.”
– “يجب أن تُدرّس بطولات أكتوبر في المدارس، ليعرف أبناؤنا كيف صُنعت الكرامة.”
– “كنت يتيم الأب، ثم فقدت أمي أثناء خدمتي… لكنني لم أنكسر.”
تغطية مستمرة على مدار الساعة من منصة “غرد بالمصري”:
تابع أحدث الأخبار والتقارير في جميع الأقسام:
