“الثغرة والسادات: حين اشتعلت الجبهة السياسية بعد نيران العبور”
-وقفات مع السادات في الذكرى الـ52 لانتصار العبور: حين تتقاطع لحظة المجد مع دروس التجربة
– الثغرة .. المواجهة بين السادات و كوسيجين رئيس الوزراء السوفيتي
.
الصورة الأولى عام1971 في موسكو والثانية في القاهرة عام 1973 .
أراد السادات أن يلقي بتبعية ما حدث من فشل عملية تطوير الهجوم المصري يوم 14 أكتوبر وما ترتب عليه من إختراق قوات العدو الصهيوني للجبهة المصرية من الشرق إلى الغرب على الإتحاد السوفيتي ، وإتهامه بالتقصير بعدم مد القوات المصرية بالإسلحة المطلوبة أثناء المعركة مثلما يفعل الأمريكان مع الإسرائيليين ، الأمر الذي أدى إلى حدوث مواجهة بين السادات و كوسيجين رئيس الوزراء السوفيتي الذي كان يزور القاهرة آنذاك .
.
وينقل لنا الأستاذ هيكل في كتابه ( أكتوبر 73 .. السلاح والسياسة ) الأجواء التي أحيطت بهذا اللقاء الذي تم في يوم 17 أكتوبر قائلا : صباح هذا اليوم كانت القوات المصرية المكلفة بقفل الثغرة من الشرق تقوم بجهود مستميتة لوقف تدفق المدرعات الإسرائيلية إلى الغرب، وحققت فى بداية الأمر قسطا من النجاح لكن قوة الاندفاع الإسرائيلى كان من الصعب إيقافها تماما .. ويضيف بأن السادات تلقى من مكتبه للشئون العسكرية تقارير أولية عما يجرى فى ميدان القتال، كان أثرها المبدئى عليه هو أن طلب إخطار كوسيجين برجائه فى تأجيل الاجتماع المتفق عليه صباح اليوم إلى بعد الظهر، فلم يكن فى مقدوره ومن جهة نظره أن يجلس مع كوسيجين ويتفاوض بأعصاب هادئة .
.
وذهب السادات بعد الظهر إلى موعده مع كوسيجين ولم يكن فى أحسن أحواله؛ فالثغرة التى استطاعت بها القوات الإسرائيلية اختراق الجبهة المصرية فى الدفرسوار لم تغلق. وراح يلوم الاتحاد السوفييتى على تقصيره فى إمداد مصر بالسلاح واستشهد مرات بالفارق الكمى والنوعى بين جسر الإمداد الأمريكى لإسرائيل وجسر الإمداد السوفييتى لمصر، وحاول التهوين من شأن الثغرة مظهرا مقدرة القوات المصرية على التعامل معها وضربها مع تسليمه بأن الأمر قد يحتاج إلى وقت أطول عما كان مقدرا .
.
وبدأ نفاذ الصبر على لهجة كوسيجين وهو يتحدث .. فقد ضايقه ما بدا له أنها محاولة لإلقاء اللوم على الاتحاد السوفييتى. وبدأ كلامه قائلا : إنه يريد أن يتحدث مع الرئيس بصراحة ، ثم قال إننا قبل هذه الأزمة كنا أصدقاء وبهذه الأزمة ونحن فيها معا فقد أصبحنا حلفاء ، وقدمنا إليكم ما طلبتموه منا وحتى هذه اللحظة فإن الجسر الجوى السوفييتى نقل إلى مصر كميات كبيرة من المعدات. وحاربتم بالمعدات السوفييتية فى الأيام الأولى من القتال بطريقة أثبتت كفايتها وكفاءتها …
.
وبعد ذلك فإن إدارة المعركة كانت فى أيديكم ونحن لم نقترب منها، مع أنه كانت لنا ملاحظات على الطريقة التى دخلتم بها إلى المعركة وحققتم انتصارا مبدئيا شهد به العالم، ثم توقفتم بعد ذلك دون سبب مفهوم وتركتم حلفاءكم على الجبهة الشمالية سوريا حتى يضربهم العدو ثم يتحول إليكم، ومع ذلك فأنا لا أريد أن أدخل فى تفاصيل إدارة مجهودكم الحربى لأن ذلك شىء يخصكم، لكنى اضطررت إلى إبداء ما أبديت من الملاحظات إزاء ما قلتوه، والاتحاد السوفييتى ليس على استعداد لقبول ما قلتموه: حين يتحقق انتصار فهذا الانتصار لكم وحدكم ولا شأن لنا به، وحين تقع مشكلة فنحن سبب المشكلة بتقصيرنا فى إمداد السلاح اللازم وأنت لا دخل لكم بالموضوع .
.
وفيما يتعلق بالنقطة الثانية عن حجم القوات الإسرائيلية التى تمكنت من دخول الثغرة، فقد قال كوسيجين إن «صديقنا الرئيس السادات يقلل من الخطر الذى تواجهه القوات المصرية، وأنا مضطر أن أضع أمامه الحقيقة حتى يستطيع أن يقيم حساباته على أساس سليم .. والتفت كوسيجين إلى أحد العسكريين من أعضاء وفده الذى رفع حقيبة كان يضعها تحت مائدة الاجتماع، ثم فتحها وأخرج منها مظروفا كبيرا سلمه لكوسيجين الذى أخرج منه مجموعة من الصور الفوتوغرافية الملتقطة بالأقمار الصناعية (وكان عددها 18 صورة)، وقام كوسيجين من مقعده متجها إلى الناحية التى يجلس عليها السادات من مائدة المفاوضات ثم وضع أمامه راجيا منه أن يدقق النظر فيه .
.
وكانت الصور واضحة بطريقة مذهلة، فقدت بدت فيها منطقة الثغرة الإسرائيلية وما حولها، وكانت هناك علامات ودوائر مرسومة عليها تحدد مواقع القوات الإسرائيلية وطوابيرها. وراح كوسيجين يشرح قائلا :هذه الصور لا تشير إلى قوات صغيرة تمكنت من عبور الثغرة إلى الضفة الغربية من القناة.. هذه الصور تظهر أنه حتى ساعة التقاطها ظهر اليوم كان لإسرائيل فى الغرب 760 قطعة مدرعة ما بين دبابات وعربات مصفحة، وهذه قوة كبيرة، وتعزيزها لازال مستمرا، وأنتم أمام موقف خطير تفرض عليكم الظروف مواجهته ووقفه عند حده حتى تستطيعوا المحافظة على حجم انتصاراتكم المبدئية. ويذكر هيكل: استمع السادات بدون حماسة إلى ما عرضه ضيفه عليه بعد ذلك من أنهم فى موسكو يجرون اتصالات مع واشنطن على أعلى مستوى، ويحاولون التوصل إلى مشروع قرار يقدم إلى مجلس الأمن، على أن ينص فيه صراحة على ضرورة الانسحاب الكامل. وعقب السادات بأنه على استعداد لقبول قرار من هذا النوع إذا نص فيه فعلا على الانسحاب الكامل .
.
وقد زادات تلك المواجهة التي جرت بين الطرفين من كراهية السادات من الروس .. ويذكر الأستاذ هيكل على لسان السادات : أنه كان يستمع إلى كوسيجين وإحساسه، أنه لم يشعر بكراهية الروس قط مثلما شعر بها فى تلك اللحظة، يضيف هيكل أن السادات استمع بدون حماس إلى ما طرحه كوسيجين بعد ذلك، من أنهم فى موسكو يجرون اتصالات مع واشنطن للتوصل لقرار بالانسحاب الكامل، غير أن «السادات» قال إنه على استعداد لقبول قرار من هذا النوع إذا نص على الانسحاب الكامل، ورغم ذلك تضايق السادات حينما أبلغه كوسيجين أنه سيمد زيارته للقاهرة إلى الغد، 18 أكتوبر 1973 لإبلاغه بنفسه بنتائج الاتصالات بين موسكو وواشنطن .
.
وفي نفس اليوم الذي جرى فيه هذا اللقاء (17 أكتوبر) كان هناك لقاء آخر في واشنطن بين الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون ووفد من وزراء خارجية الدول العربية، يضم وزراء خارجية السعودية والكويت والجزائر والمغرب ، لحثهم على عدم إستخدام البترول كسلاح في المعركة إلا أن وزراء البترول العرب المجتمعون فى الكويت في نفس الوقت قرروا أن يدخل البترول سلاحا فى المعركة ، حيث قررت بعض الدول العربية حظر تصدير البترول كلية إلى الدول التى يثبت تأييدها لإسرائيل بما فيها الولايات المتحدة. وكان كيسنجر ثائر الأعصاب، واعتبر هذه القرارات العربية أمرا لايمكن السكوت عليه ولم ينس كيسنجر فور انتهاء الاجتماع أن يخطر السفير الإسرائيلى دينتز بأنهم يتعين عليهم تشديد ضغطهم على الجبهة المصرية، وتحقيق أهدافهم على الجبهتين فى ظرف الـ48 ساعة القادمة، لأنه بعدها سوف يكون مضطرا للتحرك بطريقة جدية لتمرير قرار بوقف إطلاق النار فى مجلس الأمن .
.
بعد ذلك دعا كيسنجر إلى اجتماع لمجلس الأمن القومى فى الساعة الحادية عشرة قبل منتصف الليل. وفى الاجتماع عرض سياسته على النحو التالى: إن الجيش المصرى على حافة كارثة. وأنه يشعر أن الوقت قد حان لكى يتحرك بسرعة، لأنه لا يريد لكارثة الجيش المصرى أن تتحول إلى كارثة للسادات، وعرض على مجلس الأمن القومى مشروع رسالة يقترح أن يبعث بها للرئيس «السادات» تتضمن النقاط التالية: أن مصر وحلفاءها العرب أحدثوا تغييرا مهما فى الموقف نتيجة الأداء الشجاع لجيوشهم فى ميادين القتال. وأنه حتى مع تغير الموقف العسكرى، فإن الولايات المتحدة حريصة على أن تحتفظ لمصر بكرامتها. وأن كل شىء مرهون بالتوصل إلى وقف إطلاق النار على الجبهات فورا
.
الأمريكان كانوا حريصين على نظام السادات لأنهم وجدوا فيه ما يحقق أهدافهم ولكن حرصهم على اسرائيل كانت أشد .. فعمدوا الى تجريد المصريين من جني أى ثمار لأنتصار العبور العظيم وقد ساعدهم السادات على ذلك فرغبته في دخول حظيرة الرعاية الأمريكية كانت الأهم من دماء الشهداء من أجل تحقيق النصر وتحرير الأرض .
نشير مؤخرا إلى ما دأب عليه السادات بإشاعة أكاذيب عن التقاعس السوفيتى عن إغاثة مصر فى المعركة ، فالحقيقة غير ما قال به السادات .. فقد بدأت الإمدادات العسكرية السوفيتية لمصر وسوريا مبكرا عن طريق الجسر الجوى اعتبارا من يوم 9 أكتوبر 1973 ، بعدد 900 رحلة حملت حوالى 15000 طن معدات وأسلحة ، وعن طريق النقل البحرى اعتبارا من نفس التاريخ، وصلت لمصر و سوريا معدات وأسلحة تزن 63000 طن ، معظمها كان لمصر ولم يتوقف الأمر على ذلك ، فقد أرسلوا ( 4 طائرات ميج 25 بأطقمها المختلفة 400 فرد )وتمركزت فى مطار غرب القاهرة وذلك لردع اسرائيل عن القيام بأى هجوم جوى على الجبهة الداخلية ،
كما زودوا مصر بصواريخ سكود الحديثة التى استخدمت لأول مرة على الجبهة المصرية في 22 أكتوبر 1973، عندما أطلقت مصر ثلاثة صواريخ منها على أهداف إسرائيلية. استهدف أحدها مطار العريش بينما استهدف الباقي رأس الجسر الإسرائيلي على الضفة الغربية لقناة السويس، عند الدفرسوار ، ورغم ذلك أستمر السادات وإعلامه بترديد تلك الأكاذيب .. !!
بقلم: اللواء محمد حجازي، أحد أبطال معركة أكتوبر 1973
تغطية مستمرة على مدار الساعة من منصة “غرد بالمصري”:
تابع أحدث الأخبار والتقارير في جميع الأقسام:
